الرأي

الحمار والفيل وصراع العواجيز

خالد العويجان
في العالم عديد من المسارح، منها ما هو كاذب والآخر أكذب وربما أغبى.وكثيرها سطحي للغاية، وبمحتوى ساذج، وأقلها هامشي بلا معنى ولا قيمة.في بعض منها يجد المتسلقون أهدافهم.وفي أركان مختلفة يعيش الأغبياء على «استحمار» البشر.وبالجزء المقابل على «تفييل» الإنسان.لي عودة لفكرة «استحمار وتفييل» الخلق، وهذا له مقاصده ومآربه، ومرتبط بشعاري الحزبين الأمريكيين «الديمقراطي والجمهوري» وقصتي هذا اليوم تدور حولهما؛ لكن قبل ذلك، أجد أن الحديث عن التحولات التي أنتجتها الانتخابات الرئاسية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية موضوعا شيقا، يستحق تناوله نظير خصوبته؛ ولا سيما أنها قد شهدت عملية انتخابيه كسرت من خلالها القاعدة في شكلها العام، بعيدا عن ادعاء الجمهورية للمنهجية والأسلوب السياسي الديمقراطي، لأنها تعتمد على رؤية الرجل الواحد.كيف؟ المرشد يملك كل شيء، ماذا يعني ذلك؟ يعني أنه المتحكم في مفاصل الدولة.وقبل ذلك فهي دولة لا تمت للديمقراطية بصلة، باعتبارها تصنف نفسها على أنها دينية.وهذا ليس من ابتداع الخيال، إنما يمكن إدراكه من دستورها المطبق، والنظر لمسماها، المتضمن تقديم الدين على الدولة.ماذا قصدت بكسر القاعدة؟ القصد أن صانع القرار السياسي علي خامنئي، قرر في اللحظات الأخيرة التضحية بالطبقة السياسية المحافظة، أو «المعممة»، التي خرجت من رحم المدارس الشيعية المتشددة في قم، على حساب الوقوف وراء شخصية إصلاحية، كانت أصلا محل حظر مطلق في مصلحة تشخيص النظام الذي يتولى مهمة الموافقة على المرشحين لتلك المناصب، في انتخابات 2021.والرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان كان نموذجا مرفوضا وفي دائرة حمراء تختزل الممنوعين من الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، لأسباب تتعلق برفضة الحملات الأمنية القمعية التي تمارسها السلطات في بلاده.وهذا ليس استكشافا؛ إنما موجود في الأخبار، وبمتناول المهتمين.وقد يكلف دقيقة واحدة لمن أراد البحث لفهم شيء ما هنا أو هناك.السؤال، ما الذي غير قواعد اللعبة في طهران؟ أعتقد أن المرشد الإيراني نفذ انقلابا ناعما على الشريحة السياسية المتواكبة مع أفكاره التوسعية؛ لأن بائع الفستق يخشى التغيير المرتقب في واشنطن، ما إذا انتقلت إدارة الولايات المتحدة لدونالد ترامب، الذي مزق الاتفاق النووي بعد توقيعه من باراك أوباما، وسانده في ذلك عدد من دول أوروبا.وأنهى - أي الحبيب ترامب - قصة إرهاب الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، الذي قاد أخطر عمليات التغول بالحديد والنار، في عواصم عربية عديدة، كبغداد وبيروت ودمشق وصنعاء، بضغطة زر عبر طائرة دون طيار، أدارتها مجندة أمريكية من أحد القواعد الجوية.وتفسير ذلك، يؤكد أن المرشد الذي اختار التهدئة مع واشنطن، يترقب الأسوأ، بل إنه يعيش حالة من الارتباك والرعب من قادم الأيام.أعود لصلب قصتي هذا اليوم وأقول، إن الرأي العام الأمريكي يعيش على فكرة الديمقراطية الكاذبة التي تقتات عليها أحزاب تتطلع فقط للمواجهة السياسية، دون مراعاة الإنسان المنهك بالأساس من الضرائب، والتأمين الطبي، وغلاء الأسعار، والبطالة، وقبل ذلك أزمة الثقة المتكررة بالأشخاص، الذين من المفترض أن يتولى أحدهم منصب الرئيس.وذلك ليس حالة طارئة بل معتادة، يتسبب بها خواء المرشحين المتنافسين على المكتب البيضاوي. وأقصد بالخواء، ما ينتج عن المناظرات السياسية، التي في الغالب ما تقوم على ثلاثة عوامل. الأول: كيل الاتهامات.الثاني: التقزيم وتفريغ الخصوم من المضمون. الثالث: انتقال القضية من وطنية حزبية، وصولا إلى شخصية.والمناظرة الأخيرة التي جرت بين الرئيس الحالي جو بايدن، الذي تشارف فترته الرئاسية على الانتهاء، وغريمه السياسي والتقليدي، وخصمة اللدود، دونالد ترامب، أخرجت الاثنين بمظهر بائس لا يليق بالمرحلة السنية التي يعيشانها، ولا بعنوان الديمقراطية التي تتشدق بها أمريكا، وصدعت بها رؤوس العالم.والديمقراطية بالنسبة لي يفترض أن تكون مخرجاتها على هذا الشكل والشاكلة، لأنها نظام سياسي أقل ما يقال عنه أنه تعيس، ويعاني من ثغرات لم ولن يتم علاجها، كونه نظاما مهزوزا ولم يقم على أسس صلبة، كالأنظمة الملكية التي تتمتع بثبات واتزان، يقوم على مراعاة الارتباط بالمجتمعات، وليس على لغة المصالح والنفعية الانتخابية والسياسية.وهذا عامل مفيد بالنسبة للاستقرار، والأدلة كثر، لا يتسع المجال لذكرها، وليست في صدد موضوعي.ومن زاوية مغايرة، فإن الديمقراطيات هي أكثر بقع العالم تعرضا لتغير سجلاتها التاريخية والسياسية، إما عبر انقلابات أو انفلات أمني واجتماعي أو تصفيات سياسية، بالإضافة إلى أنها الأكثر رغبة في الدخول بحروب الكثير منها لا ناقة لها فيها ولا جمل من باب فرد العضلات.كأمريكا على سبيل المثال.إن كتابة القصص التي تخول الدخول لصفحات الماضي لتتناقلها الأجيال القادمة، لا تتم من خلال أنظمة سياسية، تقوم على المهاترات وتصفية الحسابات الشخصية والتنابز بالفشل، ووضع عنوان الوطن العريض بآخر الحسابات.في أمريكا التجربة كذلك، لكن لها نكهة خاصة، فهي مؤسسة على «استحمار وتفييل» المجتمع، وذلك ليس فكرة اليوم، بل منذ العشرينيات الميلادية، وهو ما تحول لكناية عن الحزبين الأكثر تأثيرا، الجمهوري والديمقراطي، بعد أن تواجها بين رسامي كاريكاتير اثنين.أحدهما رسم حيوانا وله أسبابه ومبرراته.والآخر واجهه بالفكرة نفسها.هذه هي الديمقراطية، تجبر الجميع على سماع أصوات الحمقى، سرعان ما تتحول لساحة معركة افتراضية يخسر بها الجميع، لأنها تمثل قصة الحمار والفيل.. وصراع العواجيز.