الرأي

حلقة مفرغة

عبدالله سعود العريفي
يتأمل الإنسان في هذه الحياة؛ فيدرك أن العالم يعيش نمط حياة سريع قد يؤدي إلى التشتت والانشغال بموضوعات مختلفة وعدم التركيز، وهو ما ينعكس بصورة سلبية على الصحة النفسية والجسدية كما يؤثر على الإنتاجية مما يخلف شعورا وهميا للإنسان بأنه مفرط ومتقاعس ومتأخر دائما وبحاجة إلى إفراغ أقصى طاقته وتقديم ما في وسعه وبذل قصارى جهده لمواكبة التغيرات المستمرة ومسايرة التبدلات المتواصلة.هناك من لا يتصور أن الحياة من الممكن أن تكون متعرقلة في بعض مراحلها ومتعثرة في بعض حقباتها، وهناك البعض الآخر يعتقد أن كل البذل المطلوب غير تام ويظن أن جميع العطاء المرغوب غير كاف للبدء في تكوين حياة ملائمة، وقد تستقر في ذهن الإنسان وتثبت عيشة جميلة وحياة مشرقة ودنيا براقة تستولي على عقله وتستحوذ عليه وتخضعه لسيطرتها وتحمله على الرضوخ لهيمنتها وتتمكن منه ولكنه لا يدري متى سيصل إليها ولا يعلم متى سيدركها، ويفني حياته في الانتظار ويقضي عمره في الترقب ويمضي دنياه في التوقع ويعيش دون أي إحساس بالاتجاه ودون أي شعور بالهدف ويقوده ذلك إلى تأجيل إحساسه بالراحة وإرجاء شعوره بالاستمتاع بحاضره وتسويف التمتع به إلى أن يحقق أهداف المستقبل والتي ربما تكون بعيدة المنال وصعبة التحقق وغير متوقعة الحدوث.قد يؤرق الإنسان الاستغراق في التفكير وعمل العقل الذي يفحص ما يجول فيه من أفكار وخواطر وصور وينظر لها للوصول إليها؛ فيرجع ويذهب إلى حيث كان قبلا مرة أخرى ليخسر متعة الحياة ويخبو دافعها وينطفئ محرك متعتها في داخله ويفقد مباهجها ويصبح سروره مقيدا وانبساطه مرهونا وارتياحه مرتبطا بما تحقق من أمنياته، مما يولد لديه شعورا بأنه يعيش في حلقة مفرغة يتدهور فيها حاله وتتوالى الآثار السلبية لتزيد الوضع سوءا؛ فتمر حياته دون أن يشعر بها ويمضي عمره دون أن يحس به، ويتولد لديه شعور بالحسرة وينتج عنده إحساس بالندم على الوقت الذي فاته في حياته والذي لا يمكن استرجاعه أو حتى إرجاع جزء منه كما لا يمكن تعويضه.في الحقيقة إن كتابة الأهداف وما يسعى الإنسان من أجل تحقيقه وعدم الاقتناع بمجرد جعلها حاضرة في الذهن لتحقيق أمر أو بلوغ هدف أو مجرد آراء من أشياء أو حلول أو اقتراحات مستحدثة أو تحليلات للوقائع والأحداث سيأخذ النصيب الأكثر في الوقوع والحصة الأكبر في التحقق على أرض الواقع، مع عدم اليأس أو القنوط أو فقدان الأمل أو جعل الرجاء ينقطع؛ فقد تلزمه أحيانا بعض الظروف وتحتم عليه تأجيل الطموحات وتجبره الأحوال على تأخير الرغبات وترغمه الأوضاع على إرجاء التطلعات ليكتبها ضمن الأفضلية وليسطرها ضمن الأولوية مع العمل الجاد لتذليل الصعوبات وإزالة المشاق والتغلب على التحديات وقهر الأزمات ليحيا حياته بالطرق المتاحة ويعيشها بالفرص السانحة ويقضيها بالظروف المهيأة ويمضيها بالسبل المتوفرة ولا يسوف أو يؤجل للغد أو يؤخر للمستقبل أو يعلق البت في أي أمر إلى موعد لاحق أو غير معين، حتى لا يستمر دورانه في تلك الحلقة المفرغة وهو في وضع لا يعرف كيف يخرج منه ولا يدري كيف يصل إلى مبتغاه.