الرأي

ثقافة الحج.. مسؤولية مشتركة

أحمد صالح حلبي
تحت عنوان «الحج ثقافة ووعي قبل أن يكون شعيرة» كتب الزميل العزيز والصديق الوفي الدكتور زيد الفضيل مقالا بهذه الصحيفة تناول من خلاله العديد من الصور والمشاهد السلبية الناتجة عن المخلفات التي يتركها الحجاج «وراءهم في أماكن جلوسهم، وعبر الطرقات التي يمشون فيها إلى بيت الله المعظم ومشاعره الطاهرة»، متناولا التجربة الماليزية المتمثلة في «صندوق استثمار الحج»، والدورات التي تنظم «لمن تم ترشيحهم للحج»، راجيا من وزارة الحج أن تتبنى التجربة الماليزية وتعمل على تعميمها على باقي الدول الإسلامية، وأخص منها مشروعهم المتعلق بتدريب الحاج وزيادة وعيه بالحج شعيرة وسلوكا.إذ ما قيمة رحلة الحج وهي رحلة تطهر وولادة إنسان، إن لم يكن لها تأثير إيجابي على سلوك الحاج الحياتي!وما تناوله الدكتور الفضيل جاء من خلال مشاهداته لعدد من الصور السلبية التي تظهر من بعض الحجاج خلال موسم الحج فتشوه جماله وجمال الخدمات المقدمة للحجاج بدءا من وصولهم لأراضي المملكة وحتى مغادرتهم لها.أما دعوة الدكتور زيد للاستفادة من التجربة الماليزية، فالحقيقة أن ماليزيا عرفت بحس تنظيمها لبرامج التوعية للحجاج قبل مغادرتهم لأراضيها، ومن أجل ذلك عقد المؤتمر الأول لتوعية الحجاج في أوطانهم في كوالامبور عام 1421هـ، وافتتحه رئيس الوزراء الماليزي - آنذاك - مهاتير محمد، بحضور وزير الحج - آنذاك - الأستاذ إياد أمين مدني، ومسؤولي وزارات ورئاسات الشئون الدينية بالدول الإسلامية، إضافة لرؤساء مجالس إدارات مؤسسات الطوافة - آنذاك - وشركات مقدمي خدمات حجاج الخارج حاليا.وفي الورقة الخاصة بوزارة الحج التي قدمها الأستاذ إياد مدني، أكد على ضرورة التركيز على الهدف الذي عقد من أجله المؤتمر وهو توعية الحاج وأهمية بلورة مفهوم التوعية بصورة علمية أشمل وأدق وأقرب إلى ظروف كل مجتمع.وطالب بإنشاء ورش عمل على مستوى المناطق الإسلامية تكون من مسؤولياتها تحديد مفهوم محدد ودقيق لأسلوب ورؤية وأهداف وبرامج الجهد التوعوي والاحتياجات الأساسية من برامج إعدادية وتدريبية ووسائل اتصال محلية.كما طالب بإنشاء فريق عمل يربط بين ورش العمل ويبلور في النهاية عددا من البرامج التوعوية التي تجمع بين المشتركين فيها اختصارا للجهد والوقت والمال واستثمارا للتجارب الحالية التي ثبت جدواها وصولا إلى خطة عمل ذات أهداف تنفيذية محددة وذات بيئة مرنة.وقد استفاد الحضور من التجربة الماليزية ورأينا العديد من البرامج المنفذة ومنها ما نفذته رئاسة الشئون الدينية التركية من برامج توعوية للحجاج، سواء كانت في التوعية الدينية التي يتم تنفيذها من خلال المساجد والمدارس الدينية لمن سيؤدون فريضة الحج، أو من خلال التوعية المسلكية والتي توضح للحجاج العديد من الإجراءات التي ينبغي عليهم اتباعها منذ وصولهم لأراضي المملكة.وخلال العامين الماضيين رأينا حرص وزارة الحج والعمرة على تنفيذ برامج التوعية من خلال مركز ترخيص وتدريب العاملين في قطاع خدمة ضيوف الرحمن، الذي عمل على تنفيذ دورات لتدريب وتأهيل قادة أفواج الحجاج القادمين لأداء فريضة الحج في دولهم، عبر برنامج تدريبي يتضمن شرحا مفصلا لرحلة الحاج منذ مغادرته لبلاده، مرورا بكل المرافق قبل وأثناء وبعد تأدية نسك الحج، والمهارات الحياتية أثناء أداء النسك، كما يقدم البرنامج توعية شاملة حول كل ما يتعلق بأداء مناسك الحج، بالإضافة إلى مهارات التفويج وإدارة الحشود البشرية في الحج.أما إشارة الدكتور زيد الفضيل إلى قيام كثير من الحجاج والمعتمرين بجمع كثرة من المواد الغذائية التي يتم توزيعها صدقة في رحاب الحرم أو المشاعر المقدسة، ودون أن يكون محتاجا لها، ثم إذا قرر المغادرة يتركها وراءه دون أي استعمال، أو باستعمال عبثي.فهنا أقول إن المشكلة لا تكمن في ترك الحاج لهذه الوجبة أو تلك، لكنها تعود للمؤسسات والجمعيات الخيرية، التي ترى ضرورة أن يكون برنامجها خلال موسم الحج مرتبط بتوزيع وجبات غذائية ومياه للحجاج، ولا تسعى لتنويع برامجها، وهو ما طالبت به خلال مشاركتي في الندوة الصحفية التي عقدتها جريدة الرياض ونشرت الثلاثاء 5 ذو الحجة 1432هـ - 1 نوفمبر 2011م - العدد 15835، إذ أوضحت أن الضرورة تقتضي قيام المؤسسات والجمعيات الخيرية على تنويع برامجها وعدم الاعتماد على توزيع الوجبات الغذائية.وأشرت إلى أن الملاحظ على بعض الجمعيات هو تركيزها على الكم لا على الكيف، بمعنى أنهم يتباهون مثلا بتوزيع كميات هائلة تنشرها لهم صحفنا المحلية، في الوقت نفسه نجد أنها لم تركز على مستوى الخدمة، مضيفا أن هناك مجالات للأسف تنتظر تدخل الجمعيات الخيرية، مثل مشروع مساعدة حجاج البر المتعطلة مركباتهم في نقلهم من حدود المملكة إلى مكة المكرمة ثم إلى المشاعر المقدسة، مبينا أنه لمس حاجتهم في كل عام، فهم معوزون والنقابة العامة للسيارات لا تلتفت لنقلهم مجانا، كونها جهة مشرفة على قطاع النقل الخاص.حتى نحقق مفهوم ثقافة الحج، فهذا يستدعي مشاركة جميع الجهات والمؤسسات الحكومية والأهلية ذات العلاقة بخدمات الحج والحجاج للخروج ببرنامج توعوي موحد يوصل الرسالة بطريقة يفهمها الحجاج، وتتناول ما يحتاج إلى معرفته الحاج، مع التركيز على التوعية الصحية وخاصة أن موسم حج العام القادم سيكون في فصل الصيف، حيث درجات الحرارة المرتفعة.كما يستلزم تدخل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لوضع برامج عمل خاصة للجمعيات والمؤسسات الخيرية تتضمن تنويع الخدمات المقدمة، وعدم حصرها على الوجبات الغذائية والمياه التي نرى كميات كبيرة منها تلقى بالشوارع والطرقات سواء بمكة المكرمة أو المشاعر المقدسة، فيضيع الأجر الذي قدمت من أجله.ahmad_helali@