الرأي

إعصار القيصر

خالد العويجان
الرياح عاتية، والمطرقة تستعد لضرب السيوف والخناجر التي خرجت من فوهة النار الملتهبة لجعل أطرافها أكثر حدة.والوقت لا يرحم، والتاريخ كذلك.والحبر بات فكرة قديمة لكتابة سيناريوهات السنين، الدم أصبح أجدر وأكثر تأثيرا. حتى القتل وإزهاق الأرواح له بروتوكول خاص.هي فكرة محترمة في نظر الكثير، ولهم مبرراتهم في ذلك. والسياسة بقدر ما هي تتشكل من دهاليز قذرة، بقدر ما هي ممتعه للفهم والتمعن لا أكثر.والعالم يعيش على ثلاث من صور غياهب الجُب، أولها: الماضي، وثانيها: الحاضر، وآخرها: المستقبل.والزعماء لن يخرجوا عن ذلك، بصرف النظر عن أن بعضهم تأخذه العنجهية التي سأتحدث عنها لاحقا.والتاريخ كشف لنا أن بعضا من معادلات السياسة مقلوبة، باعتبارها قامت أو تقوم، على ما يمكن له أن يكون ذهب مع الريح، وصار ضربا من النسيان واندثر. وذلك له قواعده وأسسه.إنما ـ في الغالب ـ أن صناع السياسة يكونون أسرى للماضي أكثر من تعلقهم في الثاني والثالث (أي الحاضر والمستقبل).صحيح أن رجالها أنواع، وأصناف، تحكمهم المدارس التي خرجوا فيها، بعيدا عن أن القيم والوفاء بالالتزامات والوعود، لا تتواءم مع السياسة، التي تجرد صاحبها من الأخلاق، إلا أن الشخصية تفرض نفسها على حياة السياسي.والطبع على الدوام يغلب التطبع.ذات يوم، تخيل صدام حسين أن العراق أصغر منه. قادته طموحاته غير المحسوبة إلى أن يجد نفسه الرجل الأجدر، حكما لمنابع الطاقة التي تغذي العالم.ليس من باب تقاسم المصالح، ومقابلة الشيء بالشيء، بل على أساس برجه العاجي، الذي كان ينظر خلاله للآخر.تصور وقتذاك أنه يمكنه تحويل دول الجوار إلى منطلق لابتزاز الآخرين، كما كان يبتز حكومات دول معدومة بالمال السياسي.منها الصين وروسيا – الاتحاد السوفييتي – حينها.والدليل وقوف بكين وموسكو إلى آخر عهده، ضد الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، في مجلس الأمن، واستخدام حق الفيتو، ضد أي قرار قد يصدر لإزالته من حكم العراق.المهم، أنه في ذلك الحين تصور أن الغدر هو الحل، والغدر بمن؟ بدولة صغيرة اسمها الكويت، اعتبرها مفتاحا للاستيلاء على منابع الطاقة والنفط في الخليج، وفي السعودية على وجه الخصوص.لماذا؟ لاستكمال مسيرة ابتزاز وإخضاع العالم له.لكنه اصطدم بقوة الرجال الذين أنتجتهم نجد، وهنا يجب استذكار الملك فهد - رحمه الله - الذي أوقف العالم بأسره، ليس على أطراف أصابع أقدامهم، بل على أظافرهم.وهذا ما قصدت في مطلع السطور بأن بعض رجال السياسة تحكمهم شخصيتهم، النابعة في الأساس والأصل من المدرسة التي خرجوا فيها (أقصد مدرسة المؤسس).عودا على عنواني الذي كتبت، أقول: إن خصاما نابع من أساس المواجهة السوفييتية – الأمريكية، تجدد أخيرا، يوحي بأن هناك من هو ماض لاستعادة إرثه التاريخي، ولملمة جروحه، وحياكة شكل العالم من جديد، بعد أن تجاوز الخرائط، ولتجسيد قضية ضرورة إلغاء إدارة العالم بطريقة أحادية القطب.وعلى هذا الأساس، يمكن بالنظر إلى تفاصيل زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كوريا الشمالية، منزوعة الثقة من العالم، استيعاب أمرين: الأول، أن قدر واشنطن محتوم، وأن عليها استيعاب وجود غريمين تقليديين، هما: موسكو، وبيونغيانغ، والقائمة تتسع وقابله للزيادة.الثاني: أن القيصر الروسي، يسير وفق بنك أهداف استراتيجية لن يحيد عنها حتى الموت، أهمها إلغاء التفرد الأمريكي بالقرار الدولي.وهذا بالمناسبة ليس اعتباطا من قبل الدب الروسي، بل إنه ذو عمق مهم، ولو كان في ظاهره يستتر وراء عنوان مناكفة الولايات المتحدة الأمريكية، المهزوزة أصلا برئيسها الحالي جو بايدن، الذي قد يجيد بعض الشيء المواجهة الإعلامية، عكس دونالد ترمب، الذي ذهب إلى عقر دار كيم جونغ أون، وقبل ذلك كان على توافق ـ إلى حد متواضع ـ مع السياسة الروسية.أتصور أن ترمب حينها سعى فقط لكسر القاعدة، من حيث إنه حقق تقاربا – بصرف النظر عن كونه باهتا وبلا قيمة - لتحقيق مكسب الجرأة لا أكثر ولا أقل. وهذا يندرج في حسابات أمريكية خالصة، تعتمد على دخول التاريخ.كما كان مقتل أسامة بن لادن في أبوت أباد الباكستانية، مدخلا لباراك أوباما.في المجمل، يملك الرئيس بوتين، كثيرا من الخطط الاستراتيجية، التي تسعى لمعالجة الجرح الروسي، الذي ورثه من سابقيه، كميخائيل غورباتشوف، الذي تمكن من إبعاد بلاده عن «العسكرة»، وفكر بطريقة أو بأخرى، بمد الجسور مع دول الرأسمالية.وشهد عهده كارثة المفاعل النووي «شارل نوبل»، وتحول أسيرا للقومية السوفييتية.ومع الأحداث، بزغ نجم بوريس يلتسن «حنا السكران باللبناني، وهو الذي كان يعيش حياته على السهر والخمور».إن لملمة الجروح، وحياكة الحدود، تتطلب التخلي عن النرجسية السياسية، والابتعاد عن القصص الأحادية، مع وضع اليد على الزناد، ورفع النار، أسفل سيف، وخنجر الانتقام، ليأتي دور المطرقة.والأهم من ذلك، استعادة الكرامة، التي تستوجب التضحية والتحالف حتى مع الشيطان.لذا كان السيد بوتين، في الشرق من العالم، بحضرة المنبوذ.وقبل ذلك، أنشأ عنوانا له في طرطوس السورية.صديقي بشار الأسد، السلام عليكم، كيف الحال، أنا معك، استمتع بإعصار القيصر.. وبالله صبوا هالقهوة، وزيدوها هيل.