المناظرة الأولى وأزمة الديمقراطية
الثلاثاء / 26 / ذو الحجة / 1445 هـ - 21:40 - الثلاثاء 2 يوليو 2024 21:40
قبل أكثر من سنة، كانت التوقعات تشير إلى أن الحزب الجمهوري قد يرشح حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس باعتباره شابا سياسيا واعدا وصاحب كاريزما عالية، ولا يخفى على أحد ولع الناخب الأمريكي بالكاريزما القيادية، كما أن التوقعات أيضا كانت تشير بأن يفاجئ الحزب الديمقراطي العالم بشخصية شابة بارزة لديها كاريزما طاغية، لكن لم يحدث هذا ولا ذاك!!، بل تكرر سيناريو الانتخابات الأخيرة، فلأول مرة يتنافس رئيس حالي مع رئيس سابق، وبدلا من مناظرة تتحدث عن برنامج السياسة الخارجية لواشنطن كالعادة، بدأت المناظرة بين عجوزين كهلين يتبادلان الشتائم والكلام غير اللائق عن بعضهما، يلمز ترمب حول صحة بايدن العقلية بينما يتساءل بايدن عن صحة ترمب النفسية، حديث بعيد عن البرامج الانتخابية التقليدية، هذه الحالة المسيئة لتاريخ الديمقراطية الأمريكية جعلت الإعلامي الأمريكي المخضرم جون ستيوارت يسخر من المناظرة بقوله إن المرشحين الاثنين كان يجب أن يعرضا على اختبار المخدرات بدلا من المناظرة السياسية!!.هذه المناظرة الغريبة اعتبرها البعض أسوأ مناظرة في التاريخ، وقال عنها آخرون إنها تعكس حال انتكاسة الديمقراطية الأقوى في العالم، فلا شيء اليوم يثير الصحافة والإعلام العالمي سوى هذه المناظرة السلبية، فالولايات المتحدة التي تتصدر المشهد العالمي سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعلميا وتكنولوجيا ينتهي بها حال ديمقراطيتها إلى هذا الوضع المزري، وهنا يحضر السؤال الأهم، هل الحالة السياسية الأمريكية تتطلب ضخ دماء شباب جديدة في الحزبين الكبيرين لإنقاذ الوضع الراهن؟ لا شك في ذلك.أثناء المناظرة، ظهر الرئيس السابق ترمب أكثر حيوية وسيطرة بينما بدا الرئيس الحالي بايدن ضعيفا وقد بدت عليه آثار السن المتقدم، وقد كثر الحديث حول نية الحزب الديمقراطي استبدال مرشحهم بيد أن الوقت ربما لا يسعفهم، أما ردة فعل الجمهور الأمريكي فقد استاؤوا بلا شك من أحداث ومجريات المناظرة، فالناخب الأمريكي كان ينتظر سماع حديث المرشحين حول الملفات الاقتصادية التي تهمه بالدرجة الأولى، وإيجاد حلول ناجعة للأزمات التي يمر بها، كالتضخم المتزايد وأرقام البطالة المتفاقمة ومستوى الدين العام؟!!خاتمة القول، الديمقراطية الأمريكية هي الأب الروحي للديمقراطية في الغرب عموما، وهذا يعني ان انتكاستها بهذه الصورة السلبية هي انعكاس على مستقبل الديمقراطية حول العالم، وهذا هو الواقع في أوروبا تحديدا، فهناك أزمة عقل سياسي شعبوي راهن في بريطانيا أوقع البلاد في أزمات اقتصادية متلاحقة بعد أن أصر على خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أزمة سياسية تثار حاليا في فرنسا، منبعها قوى التطرف القومي والديني وبصور متعددة، أما في ألمانيا فهناك بيارق نازية جديدة تتهيأ للخروج إلى الساحة السياسية وأصوات عنصرية لا تبعد كثيرا عن حال برلين قبل الحرب العالمية الثانية، فعلا الديمقراطية الغربية في أزمة!!albakry1814@