التوازن بين طموح الآباء ورغبة الأبناء
الاثنين / 25 / ذو الحجة / 1445 هـ - 22:06 - الاثنين 1 يوليو 2024 22:06
انتهى العام الدراسي 1445هـ وبدأ أبناؤنا الطلاب من خريجي المرحلة الثانوية البحث عن مقاعد وتخصصات لهم في الجامعات والكليات كل حسب مساره ورغبته وميوله وطموحه، ولكن هناك بعض الآباء والأمهات ممن يكون لهم رأي آخر يختلف عن أبنائهم والذي قد يؤثر في مسيرتهم الجامعية وحياتهم العملية فيما بعد، لذلك دعوني بداية أسرد لكم قصة حقيقية وقعت لصديق مقرب لي فرض عليه والده الذي كان صارما في قراراته وتوجهاته، الدراسة في كلية الهندسة وبعد مضي ثلاث سنوات من الدراسة والتفوق والخوف من والده، تشجع هذا الطالب وواجه والده بعدم رغبته في الاستمرار في كلية الهندسة ورغبته في تغيير مساره لكلية أخرى، فما كان من الأب إلا أن قال لابنه «أنت الذي قضيت ثلاث سنوات من عمرك في هذه الكلية، وأنت من سيخسر كل ذلك، فاختر ما تشاء»، ففكر الطالب وقرر الاستمرار في الكلية التي فرضت عليه لعدم خسارة سنوات من عمره في التعليم وتخرج منها وعمل في مجال الهندسة التي لم تكن ضمن خياراته أو ميوله في حياته وأصبح مهندسا عاديا لا إبداع في عمله ولا شغف ولا تميز.من الجيد أن تكون طموحات وآمال الآباء هي بلوغ أبنائهم أعلى مستويات النجاح ولكن من المهم ألا تكون هذه الطموحات والأمنيات هي من تدفع الأبناء لخيارات ليست من خياراتهم أو مفروضة عليهم أو لا تتناسب مع قدراتهم وإمكاناتهم وميولهم الشخصية بحجة عدم معرفة الأبناء لمستقبلهم أو عدم مقدرتهم على تحديد المسار الصحيح لهم، لأنها قد تزج بهم جميعا في مسار مظلم قد يندم عليه الطرفان مستقبلا، وهو من أخطر أنواع التوجيه وقتل الطموح والإبداع والتميز والابتكار في نفوس الأبناء لأن بعض الأبناء لديه من الوعي الكافي لنقاط قوته وضعفه وقدراته ورغباته ما يؤهله لاختيار التوجه الأكاديمي الذي يرغب الالتحاق به في الجامعات.كل ما يحتاجه الآباء في التوازن بين طموحاتهم ورغبة أبنائهم هو الحوار الجيد والنقاش المفيد مع الأبناء خاصة في هذه المرحلة ومحاولة الاستماع والإصغاء لهم وإشعارهم بأهمية آرائهم وبذل الجهد لتفهم وجهات نظرهم وطريقة تفكيرهم المختلفة ورغبتهم في اختيار تخصصات تتناسب مع ميولهم وقدراتهم وإعطائهم الفرصة لاتخاذ قرارات مصيرية في حياتهم مع تقديم النصائح والمشورة من واقع خبرة الآباء الطويلة يدعمها التشجيع والثناء على قدراتهم الشخصية التي تعزز من ثقتهم بأنفسهم لاقتحام مجالات أكاديمية جديدة والنجاح والتميز فيها.إن الأساليب التقليدية التي يتبعها بعض الآباء مع أبنائهم لابد أن يتم تطويرها وتحديثها بسبب تغير الزمان والأجيال وحاجة سوق العمل وتغير واختلاف المهن ونظام التعليم ومتطلبات الحياة، بل من الأفضل أيضا للآباء اكتساب مهارات جديدة وأساليب متطورة في كيفية توجيه الأبناء وعدم فرض آرائهم عليهم وحسن التعامل معهم والتأثير الإيجابي عليهم وتعويدهم على تحمل المسؤولية حسب المراحل العمرية المختلفة؛ لمساعدة أبنائهم على اكتشاف مهاراتهم وقدراتهم واهتماماتهم وميولهم، ومعرفة وتقييم نقاط القوة والتركيز عليها والتغلب على نقاط الضعف لديهم، وتوجيههم لاتخاذ قرارات صائبة في مستقبلهم ودعمهم لهذه القرارات بالنصائح والإرشادات والتوجيهات المهمة لإعطاء أفضل ما لديهم في المستقبل من حياتهم.ختاما، أن التدخل في مصير الأبناء وتخصصاتهم الأكاديمية دون النظر إلى رغبتهم وميولهم وقدراتهم أو آرائهم قد يؤدي إلى آثار نفسية عميقة وحالات من الاكتئاب على المدى الطويل ونفور من تحكم الآباء وسلطتهم وتجبرهم وعدم تفهمهم لأبنائهم، وقد يتطور ذلك عند البعض من الأبناء إلى سلوكيات خاطئة يمارسونها بسبب قتل الرغبة والطموح الذي يؤثر في الإنجاز وعدم تحقيق الأهداف المطلوبة والتعثر في التحصيل العلمي وردود أفعال سلبية في عدم إكمال مسيرتهم الجامعية وضياع مستقبلهم التعليمي والوظيفي، والكل منا يتفق على أن الأبناء هم أغلى أمانة أودعها الله تعالى لدينا في هذه الدنيا وهم قادة المستقبل والأمل المنشود لذلك لابد من تحقيق أفضل أوجه التنمية البشرية في صفاتهم وإعداد جيل واعد متعلم ومثقف ومنتج يتسلح بقيم المجتمع الفاضلة في التعايش والتفاهم والتحاور وحرية الرأي والاختيار والتعليم في حدود ديننا الإسلامي وعاداتنا وتقاليدنا كالمشورة والاستخارة والتوكل على الله التي تُحقق لهم بإذن الله التميز والإبداع والابتكار في مسيرة التنمية لرؤية المملكة 2030.