الرأي

خسارة اللياقة والكياسة في مناظرة بايدن وترمب

فيصل الشمري
أصبحت المناظرات السياسية بين مرشحي الرئاسة في أمريكا إحدى سمات الحملات الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة.ويتم على الأقل إقامة مناظرة مرة واحدة بين المرشحَين للرئاسة. تخاطب تلك المناظرات القضايا المهمة لأمريكا والعالم. لكن لا تعد هذه المناظرات الحكم النهائي على من يربح سباق الرئاسة في أمريكا. على أقصى تقدير، هي تحاول إقناع المستقلين بتغير طريقة تصويتهم نحو مرشح ما على حساب مرشح آخر.في عام 1960م، أجريت أول مناظرة رئاسية بين ريتشارد نيكسون، وجون كينيدي، وتابعها 66 مليون مشاهد، وكان تعداد أمريكا في ذاك الوقت 179 مليون نسمة. وفي 1980، اجتذبت المناظرة بين كارتر وريجان 80 مليون مشاهد بين 226 مليون أمريكي. وفي 2000، شاهد 46.6 مليون أمريكي المناظرة بين آل جور وجورج دبليو بوش. وفي 2012، كانت المناظرة بين أوباما ورومني موضعا لمشاهدة 67 مليون أمريكي. وفي 2016، تابع 84 مليون أمريكي المناظرة بين هيلاري كلينتون وترمب.وحسب تصريح محطة التلفزيون سي إن إن، فإن المناظرة الأخيرة بين بايدن وترمب جذبت 47.9 مليون مشاهد، وهذا يقل عن الرقم الذي تابع مناظرتهما في 2020، والذي بلغ 73.1 مليون مشاهد.إن الخميس الموافق 27 يونيو، كان ميعاد المناظرة بين مرشحين كلاهما متقدم في العمر. يبلغ عمر الرئيس بايدن 81 عاما، بينما يبلغ عمر ترمب 78 عاما. لكن أثناء المناظرة كان من الواضح أن ترمب في صحة جيدة مقارنة ببايدن.كان بايدن يتلعثم كثيرا في خطابه، فقد ذكر مثلا أن «ترمب قام بغزو أوكرانيا،.. «، وهو بالطبع كان يقصد بوتين. لكل هذه المناظرة دخلت التاريخ، لأنها كانت أول مناظرة بين رئيس حالي للولايات المتحدة ورئيس سابق لها.كان كلا من المرشحين على خلاف حول كثير من القضايا، وشمل هذا آراءهما المختلفة حول الهجرة، والإجهاض، والسياسة الخارجية، والتضخم الاقتصادي، وموضوعات شتى.هناك معايير لتعريف محتوى المناظرات الرئاسية. وتشمل تلك المعايير: الشكل والأسلوب والمحتوى والكياسة واللياقة. وعندما أنكر الرئيس ترمب أن الانتخابات في 2020 كانت صحيحة، قال: «أنا سألتزم بمصداقية الانتخابات في 2024 لو كانت نزيهة».عند هذه الكلمة، رد الرئيس بايدن قائلا: «أنت شخص دائم التذمر. لقد خسرت في الانتخابات في أول مرة».لكن بايدن كانت له أيضا مشاكله، فهو مثلا لم يجب عن السؤال الخاص بالدين العام لأمريكا، فقد كانت إجابته أنه سيزيد من معدل الضرائب على الطبقات ذات الثراء الفاحش. وبعدها انتقل للحديث عن برنامج المساعدات الطبية الحكومية والمعروف باسم «مديكار»، والذي يغطي تكلفة العلاج لمن هم فوق الخامسة والستين من العمر، وأصحاب الاحتياجات الخاصة من المعوقين قائلا: «أخيرا لقد تغلبنا على نظام المديكار».فكان رد ترمب: «حسنا، أنت على صواب، لأنك فعلا تغلبت عليه». وأضاف، «لقد تغلبت عليه حتى قتلته».وختم تعليقه الساخر ذاكرا: «أنا في الحقيقة لا أعرف ما قاله في ختام عبارته. ولا أعتقد أنه هو شخصيا يعرف معنى ما قاله».كانت لدى بايدن فرص كثيرة للهجوم على ترمب بشدة. فقد وصف بايدن ترمب بأنه الشخص الذي لم ير مثله في حياته، والذي يتسم بعدم الإخلاص وحماقة الحديث. بعدها نوه بايدن بأن ترمب كان قد وصف ضحايا الحرب الأمريكيين بأنهم مغفلون وخاسرون. وفي إشارة إلى نجله «بو»، والذي شارك في حرب العراق، قال بايدن: «لم يكن ابني مغفلا، بل أنت يا ترمب المغفل، أنت من الخاسرين».استخدم بايدن وسائل عدة للهجوم على ترمب، فقد وصف ترمب بأنه «هو الذي شجع هؤلاء القوم للتوجه إلى مقر الكونجرس (الكابيتول هيل)، وجلس لـ3 ساعات يشاهدهم». بينما كان مساعديه يحاولون إقناعه بإيقاف هذا الهجوم على مبنى الكونجرس.وزاد بايدن في هجومه على ترمب متهما إياه بسوء السلوك، وذكر أيضا أن ترمب له أخلاق وطباع القط المشرد والجائع دائما.فيما يتعلق بالاقتصاد، هاجم بايدن ترمب قائلا: «إنه أول رئيس في تاريخ أمريكا منذ الرئيس هربرت هوفر، والذي خسر الاقتصاد في عهده وأثناء فترة رئاسته عمالة، لتصبح أقل من من كانت عليه عندما استهل فترة رئاسته».كما وصف بايدن ترمب بأنه المرشح الذي يفضل الأغنياء. لكن خلط بايدن بين كلمة «ترليونير» و كلمة «ملياردير»، عندما قال: «كان لدينا ألف ترليونير. لكنه استدرك نفسه وأكمل، ملياردير في أمريكا، وما يحدث حاليا وواقعيا هو أنهم في موقف لا يجعلهم يدفعون أكثر من 8% ضرائب. لكن لو كانوا يدفعون 24% و25%، أو واحدا من هذين الرقمين، سيكون المبلغ الذي يتم جمعه 500 مليار دولار، وعند هذه النقطة أستطيع القول إننا قد تخلصنا من الدين القومي في فترة زمنية في حدود 10 سنوات».ترمب رد بشدة على بايدن قائلا: «إننا كان لدينا حدود جيدة، وكنا نتمتع بالاستقلال في مجال الطاقة، وكان لدينا أقل معدل ضرائب في تاريخنا. كما كانت لدينا أقل عدد من اللوائح التنظيمية الحكومية». واستمر ترمب في هجومه على بايدن وذكر: «أن كل شيء قاله هو كذب. كل شيء على حدة».وبعد مضي 90 دقيقة، كان من الواضح أن كلا المرشحين مجهد.وهاجم البعض ترمب بأنه لم يتعهد بمنع الإجهاض كلية. لكن ترمب ذكر في المناظرة أنه يفضل أن يكون الإجهاض سياسة تقررها حكومات الولايات. معنى هذا أن الحكومة الفيدرالية المركزية في واشنطن ترسم سياسة عامة خاصة بالإجهاض، بعدها تقرر كل ولاية حالات الإجهاض، كل حالة بطريقة منفردة ومستقلة حسب قوانينها ولوائحها.ومن ناحية أخرى، عبر كثير من الدول الحليفة لأمريكا في أوروبا بعد المناظرة عن مخاوفهم، فهم يخشون تدهور صحة بايدن بدرجة لا تمكنه من قيادة التحالف الغربي. أيضا لديهم شكوك مماثلة حول مواقف ترمب غير الواضحة فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية.في النهاية، فإن مقارنة المناظرة بين بايدن وترمب في 2024 والمناظرات الرئاسية السابقة، تشير إلى استمرارية شكل وأسلوب المناظرات عبر السنوات الطويلة، لكن ما تغير هو محتوى المناظرات، أصبحت درجة اللياقة والكياسة هابطة للغاية. كانت المناظرات الرئاسية في السابق تتسم بالالتزام والأدب واللطف والاحترام، هذا ما تفتقره لغة الحوار بين المرشحين للرئاسة الآن أثناء المناظرات. بالتأكيد، هذا المنهج لا يمثل عاملا يتسم بالتقدم في ممارسة الديمقراطية الأمريكية.@mr_alshammeri