الرأي

الحج ثقافة ووعي قبل أن يكون شعيرة

زيد الفضيل
مع انتهاء حج كل عام أقف وغيري مندهشين من كثرة المخلفات التي يتركها الحجاج وراءهم في أماكن جلوسهم، وعبر الطرقات التي يمشون فيها إلى بيت الله المعظم ومشاعره الطاهرة، بل الأمر لم يقتصر على فترة الحج، حيث أصبح ممتدا على مدار العام جراء فتح باب العمرة؛ كذلك لا يتوقف عند صورة رمي المخلفات على الأرض وفي الطرقات، وإنما يمتد إلى قيام كثير من الحجاج والمعتمرين بجمع كثرة من المواد الغذائية التي يتم توزيعها صدقة في رحاب الحرم أو المشاعر المقدسة، ودون أن يكون محتاجا لها، ثم إذا قرر المغادرة يتركها وراءه دون أي استعمال، أو باستعمال عبثي.حقا ما أسوأ أن تكون مدينة مكة المكرمة والتي تهوي إليها القلوب طهرا وطهارة، مكبا للنفايات البلاستيكية التي يتركها زائروها وراءهم، أو يرمونها في حواف الطريق، فهل يصح ذلك من زائر لبيت الله؟!ليت هذه الرسالة تصل لكل حاج ومعتمر، ليعلم أنه مسؤول أولا وأخيرا، فهو في رحاب الله، وقد جاء ينشد أن يتطهر ظاهرا وباطنا، فكيف يستكمل طهره وطهارته وهو لم يهتم بطهر وطهارة ونظافة المكان الذي يجلس فيه ويمشي عبره.هذه الصور وغيرها تثير اشمئزاز كل واع مدرك ومستوعب بأن النظافة من الإيمان، وأن كمال الإيمان لا يكون إلا بكمال التطهر ظاهرا وباطنا، ولو استوعب الحاج والمعتمر ذلك، لتغير سلوكه واهتم لنظافة المكان والمكين، بل ولتعدى ذلك إلى حيث يعيش ويسكن، ليصبح سلوكا معتادا عليه في الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، وفي بلده الأم ومكان إقامته حيث يكون.في هذا السياق علينا أن نقول كلمة حق واجبة، شهادة لله قبل كل شيء، في حق كل الجهات الحكومية المعنية بمكة المكرمة والمشاعر المقدسة، التي لم تتهاون في اتخاذ كل التدابير التي من شأنها أن ترفع كل النفايات التي تركها الحجاج تهاونا، وعملت بكل طاقتها على تطهير كل المساحات التي يجلس عليها الزائرون ضيوف بيت الله الحرام، وبذلت جهدها الصحي لمحاربة كل الفيروسات وبقع البكتيريا التي يمكن أن تتكون في غفلة من هذا وذاك، حتى يخرج موسم الحج آمنا سالما، فلهم كل الشكر والامتنان، وأجرهم على الله فهو القادر على مكافأتهم بأجزل ما يستحقون.على أني وفي الإطار ذاته كم أرجو من وزارة الحج أن تتبنى التجربة الماليزية وتعمل على تعميمها على باقي الدول الإسلامية، وأخص منها مشروعهم المتعلق بتدريب الحاج وزيادة وعيه بالحج شعيرة وسلوكا. إذ ما قيمة رحلة الحج وهي رحلة تطهر وولادة إنسان، إن لم يكن لها تأثير إيجابي على سلوك الحاج الحياتي! وكيف يستشعر الإنسان حقيقة هذه الرحلة الإيمانية الشاقة، إن لم يتأثر بقيم الدين الحنيف، ويلتزم بمختلف أحكامه وآدابه.أشير إلى أن التجربة الماليزية قد تأسست عام 1959م عبر مشروع وطني كبير أطلق عليه اسم «صندوق استثمار الحج»، وتعود فكرة الصندوق لعالم الاقتصاد البروفيسور أنكو عبدالرحمن، وتم البدء به عام 1963م بدعم من الحكومة الماليزية، وتقوم فكرة المشروع على ادخار أموال الراغبين بأداء فريضة الحج، وتشغيلها بمشاريع ربحية متعددة، طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية، وبالتالي فقد أصبح لجميع مسلمي ماليزيا حساب خاص في صندوق الحج «تابونغ حاجي» يبدأ في تأسيسه منذ الولادة عبر والديه بإيداع مبلغ لا يتجاوز 2.5 دولار، وعندما يصل المبلغ إلى نحو خمسمائة دولار يستطيع الشخص التسجيل في بعثات الحج، وتحدد له السنة التي سيؤدي بها الفريضة.وعادة ما تبدأ التدريبات للحج من شهر محرم، حيث تعقد الدورات لمن تم ترشيحهم للحج، ومع اقتراب الموسم يبدأ التدريب على المناسك في المساجد، وقبل الحج بأيام تقام مجسمات للكعبة والمشاعر، ويرتدي الحجاج المرشحون ملابس الإحرام للتدريب بشكل عملي، وحال تأدية الفريضة يكون لكل مجموعة عشرية موظف يقوم بإرشادهم والإشراف على الخدمات المقدمة لهم.حقا ما أجملها من تجربة أتوق لأن أراها معممة على كل بلاد المسلمين، وليت وزارة الحج السعودية تتبنى تسويق معالمها، وبخاصة ما يتعلق منها بجانب زيادة الوعي، فالحج ثقافة ووعي قبل أن يكون شعيرة وعبادة.zash113@