الرأي

«دموع الرمل» أن تشعر بملوحتها!

فهيد العديم
«أنا لا أطلب منك أن تصف لي سقوط المطر، اجعلني أتبلل». تذكرت مقولة إدواردو غاليانو هذه وأنا أقرأ رواية «دموع الرمل» للصديق الشاعر والروائي شتيوي الغيثي، لم أكن مجرد قارئ، ربما لأنني أعرف جيدا الدروب والمفازات التي يتحرك فيها أبطال الرواية، أعرف تلك القرى وأخمن بسهولة ملامحهم، أعرف سمرتهم، ورغم أن الرواية كتبت باللغة الفصيحة إلا أنني أميز لهجة كل منهم، أعرفهم من نبرة أصواتهم، ومن بحة أحدهم.أعرف الجدة «نوير» قبل أن أقرأ الرواية، هي – بشكل أو بآخر – جدتي التي عرفتها من حكايات أمي، هذه المرة لمستها، توغلت بتجاعيدها عن قرب، مثلما أنني لازلت أشعر حتى الآن – بعد انتهائي من قراءة الرواية – بألم الشوكة التي اخترقت قدم والدها قبل أن يسقط وتكسر قدمه، أعرف العم طامي جيدا، أستطيع أن أقول لكم عن سبب تسميته، فنحن أهل الشمال أسماؤنا مرتبطة دوما بالزمان والمكان، أعرف «مرزوق» الذي سخر من الحرية عندما أتته متأخرة فأصبحت لا تشكل له أي أهمية، أعرف أن العبيد في السابق هم ملوك السخرية الغامضة التي تبدأ من الأسماء فهم «مرزوق، وسعيد، ومبروك!».في الكثير من فصول الرواية لم أكن القارئ بقدر ما كنت صاحب الدور الصامت في الرواية أو «الكومبارس»، كنت أسمع «هيجنات» حداة العيس في الصحراء، أردد معهم هجينياتهم حتى لو لم يدونها الراوي، أعرف صمتهم السرمدي عندما تجلد سياط الشمس رمال النفود، فتتواطأ أخفاف الأبل مع الصمت وتلوح من بعيد حكايات السراب التي يراها البدو رمزية للخيبة!ليست هذه الأسباب وحدها ما جعلتني أقرأ هذه الرواية بعاطفة مطلقة، وليس قراءة نقدية حتى وإن كانت انطباعية، وأعترف أنني أحببت أن أبعد ذائقتي النقدية التي لو حضرت فستكون على حساب الكثير من المتعة، وأحسب أن القارئ في مثل هذه الحالة إما أن يكون «مرافقا» لشخوص الرواية، يسمع أغانيهم، ويجالسهم في المساء على أطراف «شبة النار»، يسمع حكاياتهم وأسرارهم الصغيرة، أو أن يبتعد ويبقى على تلة بعيدة ينظر لهم من بعيد في كل مرة، وهذا هو من يقرأ بذائقة نقدية مجردة!هذا الاختيار لا دخل لمستوى الرواية فيه، لكنه خيار فردي، بعد أن أحسست أنني جزء من الرواية؛ فليس من المنطقي أن أتخلص مما كنت عليه وأقف في حياد ناقد، سيما وإن شتيوي الغيثي ليس غريبا على المشهد الثقافي وإن كانت هذه روايته الأولى؛ لكنها ليست تجربته الأولى، هي امتداد للشاعر شتيوي صاحب الحضور المدهش واللافت في الأدب السعودي، وأيضا صاحب العمق في أطروحاته وبحوثه في الفكر والثقافة، وعند قراءة الرواية ستجد هذه الخطوط كلها تتقاطع في هذا العمل الذي أجزم أنه لن يكون متعبا ليتحول إلى عمل تلفزيوني ضخم وهائل، سيما أنه يؤرخ لمرحلة مهمة من مراحل هذا الوطن العظيم.Fheedal3deem@