الرأي

اختبارات القبول خلقت بيئات جامعية مشوهة

عمر العمري
الشهر القادم يبدأ القبول الموحد في الجامعات الحكومية والكليات التقنية بمنطقة الرياض، وهي لحظات حاسمة وصعبة على عدد من الطلاب المتقدمين، في ظل تعطش الجامعات إلى اختبارات القبول الموحدة وعدد من المقاييس، كشرط للالتحاق والتسجيل في برامجها الأكاديمية. وأصبحت هذه الاختبارات عائقا أمام تقدم الكثير من أبنائنا في حياتهم العلمية أو العملية، على مبدأ أن تضع الناس على مسطرة واحدة، متجاهلة أبسط مفاهيم التنوع والاختلاف والفروق الفردية بين البشر، وبالتالي متهمة بالتمييز والتحيز لقدرات معرفية أو عقلية دون غيرها، ولا تقيس المهارات الناعمة، أو الشغف والاستعدادات الشخصية لمجال أكاديمي معين أو مهني، وبالتالي لا تنبئ بتحقيق نتائج أفضل أو نجاحات في المستقبل، لأن هناك عوامل أخرى كثيرة شخصية ومهارية أو اجتماعية، إضافة إلى جودة البيئة التعليمية أو العملية التي تسهم وتؤثر في كمية ونوعية هذه النواتج ونجاحاتها أو تفوقها. وهذا المفروض يجعل لدى قيادات الجامعات نقطة تحول واستدراك، للبحث عن أفضل الطرق والأساليب في ترشيح وقبول المتقدمين، بما يتناسب مع البرامج الأكاديمية المطروحة، ويخدم المجال العلمي والعملي والفني والمصلحة العامة.تحدث كثير من الخبراء حول العالم أن هذه الاختبارات غير عادلة لكثير من البرامج الأكاديمية والتخصصات الجامعية الفنية والمهارية والإبداعية والنظرية، لأسباب عدة، منها: أنها لا تعكس المستوى التعليمي الكلي للطلاب بشكل دقيق، وتعتمد عناصر هذه الاختبارات الموحدة على قياس مجموعة محدودة للغاية من القدرات المعرفية، وغالبا ما تشمل هذه المقاييس بعض القواعد العامة أو المهارات اللفظية والقرائية أو الحسابية الرياضية المعقدة، أو أسئلة تتدعي أنها تقيس الفهم والاستيعاب وهي غير دقيقة، ويدخل فيها الذاتية واختلاف الثقافات، وتفشل هذه المقاييس في تقييم مهارات الطلاب في مجالات مهمة، مثل: الاستعدادات والميول والإبداع، وحل المشكلات والتفكير الناقد، والقدرات الفنية والحس الإنساني. وبالتالي، الاعتماد الكلي على هذه المقاييس والاختبارات الموحدة التي زادت في الفترة الأخيرة أصبحت عائقا أمام طموح ورغبات كثير من الطلاب، ولا تخدم شغفهم في كثير من التخصصات ولا تخدم المجتمع، وأصبح من يلتحق بكثير من مجالات الإعلام والصحافة، أو الإخراج والمسرح وصناعة السينما، أو السياحة والسفر، أو الجرافيكس والوسائط المتعددة، أو الفنون والتاريخ والحضارة وغيرها، من الطلاب ليس لدهم الميول أو الشغف، وبعيدين كل البعد عن هذه المجالات، ويلتحقون بها بسبب مناسبة درجاتهم المركبة لهذه التخصصات، أو ترشيح النظام الموحد لها لهم فقط.وبالنقيض، يواجه من لديهم الشغف أو الاهتمام بها، وتتوافر لديهم أعمال أو محاولات أو مشاريع إبداعية تنبئ بشغف هؤلاء الطلاب وميولهم أو استعداداتهم وموهبتهم لهذه المجالات، لكن يواجهون كثيرا من العوائق بسبب شروط القبول الجامدة، وسطوة النظام الالكتروني الموحد. وهذه المقاييس المحدودة في تقييم قدراتهم عائق في التحاق هؤلاء المبدعين في هذه التخصصات، ورفض استقبال أو سماع مسؤولي القبول في الجامعات أو الكليات لهم، والاطلاع على إمكاناتهم أو قدراتهم، أو ما لديهم من أعمال قد تشفع لهم في القبول أو الالتحاق بتخصصات تلبي شغفهم وحبهم وتخدم موهبتهم، وبالتالي خسارة المجتمع كثيرا من المواهب واستثماره لأشخاص أو أفراد قد يكونون السبب في خلق علامة فارقة في تقدمه نحوى آفاق جديدة، أو خلق نقلة نوعية تنافسية في مستقبله، في ظل ما نشهده من قفازات نوعية وعالمية في كل المجالات.أعتقد الموضوع يحتاج إلى إعادة نظر، وإن كان تم استقطاب أو تقليد تجارب الآخرين في السابق، فهؤلاء كانوا يستخدمونها في بادئ الأمر للتشخيص ومعرفة مستويات الطلاب وقدراتهم وميولهم واستعداداتهم بشكل علمي، لتصميم وإعداد مناهج ومقررات ونشاطات علمية مناسبة لهم، وبالتالي إعدادهم بشكل سيلم، وهذا دور أصيل للجامعات والكليات في إعداد كوادر وطنية منافسة بكفاءة عالية وعالمية.وأعتقد أنه من استخدموها في تصنيف الطلاب في الدول المتقدمة، قد تراجعوا وانتقلوا إلى مناطق أخرى أرحب وأكثر عدالة ومساواة وعقلانية، عند تقييم المتقدمين للالتحاق ببرامجهم الأكاديمية، شملت مجموعة أوسع من العوامل، مثل: الدرجات الأكاديمية في المراحل السابقة، «الثانوية العامة» وغيرها، والأنشطة اللامنهجية والأعمال والمشاريع الفنية والمهارية وغيرها، والكتابة الإبداعية، مثل المقال الشخصي أو رسالة التوصية، والسمات الشخصية والمهارية؛ إذ تبحث بعض الكليات عن طلاب لديهم شخصية قوية، وقادرون على الإسهام في مجتمع الحرم الجامعي والمعرفي، خلال التنوع الرياضي أو الفني أو الثقافي، كي يكون هناك مجتمع تعليمي متنوع، يعكس المجتمع الأوسع خارج هذه الأسوار العالية.3OMRAL3MRI@