الرأي

مفهوم كارثي خاطئ ومحرم للستر

بشرى فيصل السباعي
في ظاهرة صادمة لا تراها بأي مكان بالعالم سوى العالم العربي، عندما تنشر السلطات خبر القبض على مجرم تورط بشناعات كاغتصاب الأطفال وبعض ضحاياه ينتحرون ويدمنون وينحرفون بسبب ما تعرضوا له.. وللصدمة تكون غالب التعليقات على الخبر تأسف وتحزن على المجرم والقول بأنه كان يجب الستر عليه، وألا تعلن السلطات اسمه! فهو صار الضحية؛ لأنهم لم يتستروا على جرائمه! وهذه التعليقات تفسر سبب هذه الإحصائية الصادمة؛ فحسب دراسة للدكتورة منيرة عبدالرحمن، أن 49.23% ممن هم بعمر 14 سنة من السكان بالسعودية تعرضوا للتحرش الجنسي!«صحيفة الرياض، 4/ 1 /1436هـ». وهي نسبة تفوق الدول الغربية، والسبب أنهم في الغرب لا يتسترون على المتحرشين والمغتصبين بحجة «الستر» ليتركوهم يتابعون تدمير الأطفال تحرشا وابتزازا واغتصابا طوال حياتهم، ووزر جرائمهم على من تستر عليهم، والمتسترون عليهم بحكم المعاونين لهم على الإثم والعدوان (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان).يتوجب بيان أن لدى الكثيرين مفهوما خاطئا عن الستر يخالف الأصل الإسلامي الصحيح وسنة النبي، فالمفهوم الصحيح للستر هو فقط عدم فضح من وقع بخطايا شخصية لا تتضمن ظلما ولا جرما ولا عدوانا بحق أحد، كالوقوع بالخطيئة بالتراضي بين بالغين، وعدم الصلاة، أما ما يتضمن ظلما وجرما وضررا ماديا ومعنويا بحق الآخرين فالمتستر عليه هو «الساكت عن الحق شيطان أخرس» واقترف أحد أكبر الكبائر بالإسلام وهي شهادة الزور؛ وعلى سبيل المثال عندما يسأل أهل فتاة عن خاطب تقدم لابنتهم فالشائع بالرد عليهم هو المفهوم الكارثي للستر، حيث بحجة الستر يكذب الناس ويدلسون ويقدمون شهادة زور تمدح الخاطب وتخفي عيوبه الخطيرة والنتيجة ابنتهم البريئة يقتلها زوجها بسبب هلوسات الإدمان ويتضاعف الظلم عليها وعلى أهلها بأن ردة الفعل الشائعة افتراض أنه لم يقتلها إلا لأنها اقترفت الفاحشة، وهذه الوصمة تحرم أخواتها من الزواج، ومثل هذا الفعل غش محرم «من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار».والغش: ستر العيوب، ولا يجوز شرعا «الستر» على عيوب الخاطب فهذا يخالف سنة النبي عليه الصلاة والسلام الذي كان يبين عيوب الخاطبين، كما بالصحيح لما سألت امرأة النبي عن خاطبين فقال «أما أبوجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه -كناية عن اقترافه للعنف الأسري ولاحظ أن النبي اعتبره عيبا بالرجل يجب التحذير منه- وأما معاوية فصعلوك لا مال له». وبالصحيحين «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله..- وكان متكئا فجلس- فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور».فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت». وقال: «يا أيها الناس، عدلت شهادة الزور إشراكا بالله» ثلاثا، ثم قرأ: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور)» .والزور هو: الباطل والكذب والتدليس والغش والتزييف وستر الحقيقة. روى البخاري عندما بعث النبي خالد بن الوليد داعية لا مقاتلا وخالف خالد أمره وقتل «بني جذيمة» غضب النبي وتبرأ من فعله علانية ورفع يديه للسماء وقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد» ثلاثا، واستنكر النبي عدم إنكار المرافقين لفعله وسأل عن من أنكر فعله وكان هناك رجلان فقط أنكرا عليه عبدالله بن عمر، وسالم مولى أبي حذيفة، ولم يأمر النبي بالستر عليه ولم يستر النبي عليه.قانونيا.. في القانون السعودي وجميع قوانين العالم التستر على ظلم وجرم أحد هو بحد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون فوق كون التستر إثم شرعي (ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه)؛ ولذا يجب أن يكون تصحيح المفهوم الخاطئ والخطير الشائع عن الستر موضوعا متكررا لخطب الجمعة لترسيخ أن التبليغ عن المجرم والظالم والفاسد ماليا قيام بالواجب الشرعي لإنكار المنكر وتغييره «من رأى منكم منكرا فليغيره..» (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، فالأدلة الشرعية لم تأمر بالستر على الجرم وفاعله.بالمناسبة؛ مجلس الشورى رفض تحليل الإدمان للمقبلين على الزواج، ورفض إنشاء سجل وطني لمغتصبي الأطفال لضمان عدم انخراطهم بمهن تسمح لهم بالتعامل مع الأطفال، وذلك بحجة الستر!