أهم شيء الأخلاق!
السبت / 24 / ذو القعدة / 1445 هـ - 21:24 - السبت 1 يونيو 2024 21:24
في كل فترة تطل علينا رسالة نصية من هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) تؤكد لنا أنه لا مكان للفاسدين في وطننا، وهو ما أكده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظه الله - بقوله: لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد، سواء كان أميرا أو وزيرا أو أيا كان!وعلى غرار نزاهة تقوم أجهزة وطنية متفرقة بجولاتها الرقابية وأعمالها الدورية، كوزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان، ووزارة المالية، والديوان العام للمحاسبة، والمركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة، للتحقق من أداء عمل الجهات ومنسوبيها في تحقيق الأهداف المنوطة بها، دون الإخلال بالمعايير والقواعد المنظمة لعملها؛ إذ هي صمام أمان - بعد توفيق الله - للالتزام بالقرارات والتشريعات مما يعود بالنفع على الفرد والمجتمع.والمتأمل في ديننا الحنيف، يجد أن هذه الممارسات الرقابية هي جزء من أدبياته، إذا تعد الرقابة الإدارية والتنفيذية ضمان لحق العباد المصون في الشريعة الإسلامية، ولهذا نشأ في العصور الإسلامية الأولى مفهوم الحسبة والرقابة القضائية، ثم تفنن المسلمون في تأصيلها وتنظيمها وتوظيفها لتحقيق المصلحة والمنفعة للعباد والبلاد.وتتكامل هذه الجهود بتفعيل وصيانة الرقابة الذاتية في أنفس العاملين، فيدرك الموظف أن ﴿اللَه عَلَى كلِ شَيْءٍ رَقِيبا﴾، وأنه سبحانه ﴿يَعْلَم خَائِنَةَ الْأَعْينِ وَمَا تخْفِي الصدور﴾، فيعلم يقينا أنه وإن أفلت من يد الرقيب في الدنيا، لن يفلت من الحساب في الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه».وحين يؤمن العامل بهذه العقيدة الراسخة، يسعى جاهدا للالتزام بأخلاقيات العمل وأدبيات المهنة، بل ويحرص كل الحرص على التزام أقرانه بها، لتعزيز المسؤولية والنزاهة والصدق والإحسان في القول والعمل، فيهنأ الجميع ببيئة عمل جاذبة وناجحة في عطائها وتحقيق مستهدفاتها.في دراسة أجرتها (Deloitte)، يؤكد 96% من الموظفين أن أخلاقيات العمل مهمة في تحسين أدائهم ونموهم الوظيفي.وعلى النقيض من ذلك، وجدت دراسة قامت بها الشركة المتخصصة في الموارد البشرية (Randstad) أن 86% من الموظفين يؤيدون أن تفشي الممارسات المناهضة لأخلاقيات العمل سبب رئيس للاستقالة والبحث عن بيئة عمل أكثر ثقة وأمانا.كما أظهرت العديد من الدراسات البحثية وجود علاقة وطيدة بين التزام الجهات بأخلاقيات العمل وتحسين مستوى أداء تلك الجهات؛ وهذا الأمر يعود لعدة أسباب، منها:أولا: الالتزام بأخلاقيات العمل يزيد من مستوى الشفافية والتقدير والعدالة، وبالتالي يسهم في تحسين مستوى رضا المستفيدين والموظفين، فقد وجدت دراسة قامت بها (Achievers) أن 69% من الموظفين يشعرون بالرضا الوظيفي والرغبة الصادقة في البذل والعطاء في بيئات العمل التي تحقق مستوى عال من الالتزام بأخلاقيات العمل.ثانيا: تسهم أخلاقيات العمل من تقليل الخلافات الشخصية والصراعات الوظيفية، وبالتالي تعزز من مستوى الأمان والتعاون بين الموظفين والإدارات المعنية لتحقيق المستهدفات المشتركة.ثالثا: في دراسة حديثة نشرتها المجلة العلمية (Sustainability)، وجد أن القيادة المحفزة على تبني أخلاقيات العمل تؤثر إيجابا على سلوكيات الموظفين، وتعزز من ارتباطهم وولائهم الوظيفي، علاوة على تمكينهم من تحقيق الإبداع والابتكار في أعمالهم وممارساتهم.رابعا: تعزز أخلاقيات العمل من كفاءة الإنفاق من خلال محافظة العاملين على الأصول والمقدرات، وحرصهم على بذل الأوقات في تأدية المهام والواجبات، بالإضافة إلى الحد من الهدر المالي الناتج عن تقصيرهم أو تجاوزهم أو استقالاتهم المتكررة.وبالنظر إلى واقع بيئات العمل اليوم، فقد وجدت دراسة بحثية قامت بها (Ethics & Compliance Initiative)، شملت أكثر من 70 ألف موظف في 42 دولة حول العالم، أن 28% من الموظفين يواجهون ضغوطات لخرق قواعد وأخلاقيات العمل، كما أفصح 65% من الموظفين عن رؤيتهم في بيئات عملهم لفعل واحد على الأقل يناهض أخلاقيات العمل، بل خلصت الدراسة إلى أن 87% من الموظفين يعتقدون أن لدى بيئات عملهم قصور واضح في الالتزام الشامل بأخلاقيات العمل.ومن هذا المنطلق، هناك حاجة ماسة لوجود جهة معنية بصيانة أخلاقيات العمل، وتضمينها شتى المراحل التعليمية والمهنية، مع ضمان تطبيقها والعمل بها، والمكافأة على المحسنين فيها، لما تحققه من مصالح جلية، فالوقاية خير من المعالجة، وهي رسالة سامية بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ليدعو إلى تحقيقها، كما جاء في الحديث الصحيح: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».moqhim@