الرأي

تمكين المدرسة إلى أين؟

بسمة السيوفي
في عالم تعليمي متغير .. تلعب المدارس دورا حيويا في بناء مجتمعات مستدامة ومزدهرة، وقد اختلفت الطريقة التي ينظر بها المجتمع إلى دور المدرسة ووظيفتها؛ فإدارة العملية التعليمية ليست مجرد مجموعة من الإجراءات أو السياسات، بل هي نهج شامل يستند إلى فلسفة التفاؤل بالمستقبل من أجل تحسين نواتج التعلم وليس فقط المخرجات.مبادئ استراتيجية وزارة التعليم في التوجيه نحو تمكين المدرسة يرتكز على تصنيف المدارس بناء على التقييم الداخلي والخارجي، وعلى منح صلاحيات لمدراء المدارس في ضوء هذا التصنيف.بمعنى أن المدرسة هي من يجب أن تقود عملياتها بذاتها، وأن الإشراف التربوي داعم لهذه المدارس في ضوء تصنيف يقيم الأداء من فريق خارجي وفق التعديلات الجديدة، بهدف إعطاء المدارس الحرية والمرونة لتطوير بيئات تعليمية تستجيب لاحتياجات الطلاب وتعزز من تجارب التعلم.وبالتالي فإن مستقبل التعليم في المملكة يشهد تحولات وتطورات كبيرة تهدف إلى تعزيز التميز في التعليم وتحقيق التطوير المستمر.هذا المستقبل يرتكز أساسا على رؤية المملكة 2030.. التي تعتبر التكنولوجيا الرقمية وسيلة حيوية لتعزيز نواتج التعليم في المملكة، حيث توفر الفرص للتعلم الالكتروني والوصول إلى الموارد التعليمية عبر الإنترنت.يتمثل مستقبل التعليم في المملكة أيضا في تكامل التكنولوجيا في جميع جوانب التعليم، بما في ذلك مناهج التعلم الرقمي والتقييم عبر الإنترنت وتطوير منصات التعليم الافتراضي وتطوير مناهج تعليمية مبتكرة تعكس احتياجات الطلاب وتعزز مهارات التفكير النقدي والإبداعي والتعاوني، على أن يتم تكييف المناهج التعليمية مع الاحتياجات والتطلعات المتغيرة لسوق العمل والاقتصاد السعودي.وإن لم نسع إلى تركيز الجهود لتطوير نظام تعليمي يعزز التعلم عبر الحياة، ويمكن الطلاب من مواصلة التعلم وتطوير مهاراتهم وتحقيق تطلعاتهم المهنية المستقبلية فلن نحقق المأمول.هناك حراك فاعل من مؤسسات المجتمع المدني لمساندة مبادرات التغيير والتطوير في مفاصل التعليم ابتداء من الطالب ووصولا إلى قيادات المدارس والوكلاء والمساعدين، يتمثل نموذج الحراك في الجهد الذي تقوم به جمعية المبادرات المتميزة، حيث نظمت معرض جائزة أهالي جدة للمعلم المتميز بالشراكة مع إدارة تعليم جدة، وشمل المعرض إقامة ورش عمل وبرامج تدريبية بالتوازي مع لقاءات منصة الملهمين، وسط حضور أكثر من 8 آلاف زائر.وقد كان لي فرصة المشاركة عبر الشريك التدريبي في تقديم ورشة عمل على مدار يومين بحضور أكثر من 500 شخصية من مدراء ومديرات ووكلاء ومشرفين ومشرفات تربويات، موضوع الورش كان عن تمكين المدرسة لتصبح منظمة متعلمة تحقق الأثر المستدام، كانت عيون الحضور تحمل آمالا كبيرة.. لكني أعلم عن الواقع الذي ما زال مكبلا بمحدودية الموارد والترهل الوظيفي، مخنوقا بتكدس الفصول وضعف الخبرات، مشرعا لمقاومة التغيير من قبل الكوادر المخضرمة التي تقبع في أروقة المدارس ودهاليزها متمنعة، رافضة إلا أن تبقى ساكنة في محلها، مقدمة أقل القليل الذي يفي بمتطلبات الحصول على الراتب الشهري كأقصى طموح.. لأنها فقدت الشغف والمحفز.إن تمكين المدرسة يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق التطور التعليمي والاقتصادي في مجتمعاتنا؛ لذا كان إشراك جميع أعضاء المدرسة في عملية صنع القرار يمكن أن يؤدي إلى تحسين النتائج التعليمية.وقد منحت الوزارة القادة والمدراء في المدارس صلاحيات إضافية تعزز الدور وتصعب المهمة.. وهو أمر عظيم.. ولا شك أن هناك تحديات قد تعيق قدرة المعلم على التطور والتغيير في بيئة التعليم، منها القيود المؤسسية التي قد تفرض على المعلمين، مثل الأنظمة الصارمة والسياسات الإدارية التي تقيد حرية المعلم في تطبيق أساليب تعليمية جديدة أو تجربة تقنيات تعليمية مبتكرة.ومنها نقص الموارد المادية والبشرية التي تقف عائقا لتطوير المهارات وتنمية القدرات لدى المعلمين. وقد يكون من الصعب الوصول إلى التكنولوجيا التعليمية الحديثة أو إلى البرامج التدريبية المناسبة بسبب عوامل مثل النقص في الميزانية أو الترهل الوظيفي.هناك أيضا ضغوط الوقت نتيجة للمناهج الدراسية المكثفة والمتغيرة، بالإضافة إلى عدم كفاية الوقت للتحضير والتقييم وتلبية احتياجات الطلاب الفردية، وتلبية متطلبات المشاركة في الأنشطة والمبادرات والمسابقات التي يلزم بها المعلمون مما يمثل عبئا جسيما على كاهل الكوادر التعليمية.هناك أيضا مقاومة التغيير التي قد يقابلها المعلمون من بعض الزملاء أو الإدارة أو حتى الطلاب أو أولياء الأمور عند محاولة تطبيق تغييرات أو تحسينات في الطرق التعليمية المعتادة.ناهيك عن نقص الدعم والتشجيع في بعض الأحيان، من الإدارة التعليمية أو من الزملاء أو من البيئة المدرسية بشكل عام، مما يكثف الشعور بالإحباط والاستسلام.وبالتالي ليس بالإمكان إلا ما سيكون، ولن تتغير منظومة التعليم إلا عبر تحسين هذه العوامل وتوفير بيئة داعمة وتشجيعية للمعلمين لتطوير مهاراتهم وتحسين أدائهم، من خلال زيادة الدعم اللازم والتدريب المستمر وتحفيز الابتكار والتغيير.نحن في مراحل تجريبية لتطوير العملية التعليمية في المملكة العربية السعودية برمتها.. لنواكب ونتقدم وننافس، نحن في مرحلة تتطلب حسن الاضطلاع بالأمانة العظيمة التي يحملها كل فرد يعمل في سلك التعليم، نحن في مرحلة ترتكز على تشخيص حقيقي للميدان يبتعد عن الأرقام والمؤشرات والاحصائيات المضللة؛ فالنواتج هي المحك وليست فقط المخرجات ومدلولاتها.وفي عالم التغيير المستمر، لن ينجح الأقوى، ولا الأكثر ذكاء، بل الذي يتكيف بسرعة مع متطلبات التغيير.. وإن أردنا أن نغير واقعنا لا بد أن نغير التعليم.smileofswords@