الرأي

جمعاتنا العائلية من الكبسة للهامبرجر

شاهر النهاري
سقى الله أياما كانت جمعاتنا كبسة نفرم فيها البصل ونغلي الزيت، نقلقل اللحم، وربما ينقصنا بعض الملح فنرسل طفلا للجيران يسلم عليهم ويطلب منهم، ولن ننسى أن نهاديهم بطبق من الكبسة بعد نضجها، مع قليل من السلطة المطحونة، أو المقطعة الغارقة بالخل والشطة، ورشة من ملحهم.جمعات الكبسة كانت سعادة وود للأب والأم والعم والخالة والإخوة والأخوات، ويزيد من روعتها تجمع الصغار، والمساعدة في ترتيب المكان وتجهيز السفرة، وسط نقاش أخوي بتحبيشه، وضحك يبلغ رأس القدر، ويشعرنا بامتزاج المكونات واستواء النضج، والغرف بكبشة المحبة والتقدير، والسؤال عن الغائب، ويبشر بالعوض.كانت الأنفس بوسع قدور المركب الكبيرة، لا قدور ضغط، تضيق فيها الأنفاس.وكانت القلوب زاهية منسجمة ألوانها بما يضاف للطبخة من كزبرة وشبث وفلفل أحمر وليمون ناشف وزعفران وقطع جزر، وتخصيص مرقة بالكمون، وشعور بأن كل من في البيت يتشارك الرائحة والنكهة والطعم، وسعادة القرب.كبساتنا كانت تزهو برب الأسرة وأهم المدعوين، من يماثلون قطع لحم الكتف، يشبع الجميع برائحته ولذته.وفي كل بيت تتميز لمسات سيدته العارفة لإمكانياتها، تدير المطبخ والتجمع العائلي بأطيب وأسمح وجه، متفانية في التحضير والتدبير، وتوجيه من يساعدونها في التقطيع والتنظيف، ومشرفة على سرعة التنفيذ، وحرارة ضيافة بنفس توازن النضج، وبما يطفئ نار الجوع، بالمتيسر من القهوة والشاي المنعنش والتمر والمكسرات، وما يلزم من الشاي الأخضر بعد الشبع.كبسات أصبحنا نفتقد روحها اليوم وسط طلبات الدليفري، والتي تسلب الروح الأسرية، وتمام سعادة التشارك في جمعة حب وتقارب وتعاون، ربما يتناولونه من بقاياها في العشاء.اليوم، لا شك اختلفت طموحاتنا عن زمن كبسة جيل الطيبين، والوجبات تعددت وتباينت، ولكل فرد في الأسرة مقاييس جوع وامتلاء منفصلة، ومكونات وجبة يختلف سعرها، ووقت وصولها.غالبية الوجبات العصرية تتباها بحجم شريحة مضغوطة بين شرائح الطماطم والخس، مدهونة بكتشب ومايونيز، وبجانبها بطاطس محمرة، بنكهات منفصلة لا تمتزج إلا بعد وصولها للقولون الأعور.أغلب عشاق الهامبرجر يهونون عملية القضم بأجهزة الكترونية يحتضنونها، تأدية واجب إطفاء الجوع، بتوحد يفقد الحس الجماعي، حتى لو تمت فوق سرير النوم، أو داخل دولاب ملابس.وحتى كبسة اليوم، لم تعد فيها مشاعر القرب، ولا جماليات ومشاركة الصنع، ولا متابعة تعاقب مراحلها، فتأتي جاهزة موحدة المقادير لدرجة الملل، ترسل بأسرع ما يمكن، ويتم تناولها من قعر القصدير، إلى غفلة البلعوم.ترى، هل الحنين إلى الماضي صحي نفسيا، وهل ترانا نقسوا على أهل عصرنا الحالي، برغبات خفية للتحكم في حياتهم شبابا وصغارا، متمنين إعادتهم لماضينا نفسه، الذي حفر مشاعره وعاداته وعشقه في جيناتنا.نحن نقر بأن ماضينا لم يكن متكاملا من كل الجوانب، وكم من كبسة لم ننل فيها غير الرز، ولكن مشاعر كبسة الأسرة والأهل والأقارب والجيرة الحميمة اختفت بيننا، ما يجعلنا نفكر، ونستجر الماضي، ونعاود التحسر على أشياء كانت تصنع كبساتنا الجميلة بحميمية تظهر عيوب الهامبرجر والوجبات الجاهزة، التي رغم صور النعمة القصوى فيها، نظل نتوق لتبسي كبسة، تختلط فيه مشاعرنا وتتوحد مكوناتنا، ويظل طعامنا يحسب بقدر قيمة وضرورة وهرمونية جميع المكونات فيه.shaheralnahari@