تفاعل

أوقات عصيبة

أمين شحود
كانت أوقاتا عصيبة يوم أن عدت للبيت عطشان جوعان مرهقا أشد الخطى إلى الثلاجة، فلم أجد فيها إلا علبة 'كاتشب' شبه فارغة وقاروة 'شطة' دون غطاء، وبيضة مكسورة وبعضا من المشروبات غير الصحية.وعندما جلست على الكرسي تحسست بيدي جيبي فلم أجد جوالي، بحثت عنه هنا وهناك دون جدوى، فكأنما تخطفته الطير أو سرقه لص أو أخفاه زملاؤنا من الجن، فكدت أن أجن، أعدت تفتيش الجيوب مرارا، وإن الإنسان إذا فقد عقله وازداد خوفه فعل أمورا عجيبة، وودت أن أسأل عنه حمامة كانت قابعة على نافذة المنزل، أو قطة بائسة لا زالت تموء عند باب البيت، أو ذبابة لعينة تحوم فوق رأسي لا تفتر ولا تتعب.من مصائب هذا الزمان التي لم يعرفها سلفنا الصالح هو ضياع الجوال؛ فإنه إن ضاعَ فكأنك قد فقدت قطعة من جسدك، وكأنه قد مسح ماضيك وفات حاضرك وانتهى مستقبلك، فتشعر عندها برغبة في البكاء، والبكاء مريح لكنه لا يرد غائبا ولا يحل مشكلة إلا عند بعض النساء والأطفال.وإنه إن ضاع جوالك هانت عليك كثير من مصائب الحياة، لأن الجوال لم يسرق حياتنا فحسب بل صارت حياتنا ذاتها داخل الجوال أكثر من خارجه، إضافة إلى أن جمع الأرقام واستعادة المحادثات والتطبيقات -عند قليلي الخبرة والحيلة أمثالي- يتطلب جهدا شاقا، ناهيكم عن تعطل المصالح وتوقف الزمان وجمود المكان وتوحش النفس.قيل لحكيم: ما أكثر ما تكره في الجوال؟قال: ضعف بطاريته وقلة مساحة ذاكرته.قيل: فهل أدمنت عليه؟قال: نعم، مذ كنت متيما بلعبة الثعبان.ثم بكى..فقيل له: ما يبكيك أيها الحكيم؟قال: لا أقدر أن أتحرك من مكاني خطوة دون الاستعانة به!!قيل: فما الحل؟قال: واقع تقبله، وأثر طيب من خلاله تتركه، ونعمة يسرت الحياة فلا تنس أن تمتن لله تعالى وتشكره.ثم إنني شعرت بالعطش الشديد ففتحت الثلاجة مجددا لأجد جوالي داخلها.. يا له من نسيان ويا لها من مفاجأة لو علم بها التنوخي لأضافها إلى كتابه 'الفرج بعد الشدة'، فلست أدري أأفرح على عودة الجوال بالسلامة أم أحزن على قلة التركيز وكثرة الشتات.وكدت أن أضربه كما تضرب الأم طفلها إذا ضاع عنها ثم لقيته، لكني احتضنته وقبلته من كاميرته الأمامية، ثم تدثرت معه في غطاء فقد كان باردا.عاد جوالي وعادت معه همومي.. فرج الله عنا وعنكم الهموم والأحزان ووقانا وإياكم متلازمة الجوال.