الرأي

لا تكن تافها

ثريا إبراهيم
التفاهة في اللغة هي عدم الأهمية وعدم الجدوى، ومن ذلك انعدام القيمة والمنفعة، ولقد كثرت مقاطع الضحك والتفاهة والسخف، حتى أصبحت حديث الشارع، وهمة المشاهد، فاندثر النافع، فاهترت الأفكار وسقطت الهمم وتعرت القيم.أنني لا أذم من يقدم مثل هذا النوع من المحتوى، بل على العكس أحييهم وأقدر جهدهم، فلقد وضعوا لهم أهدافا سعوا جادين لتحقيقها، فبالكاد ينامون، وقليلا ما تهدأ أفكارهم فينعمون، إنهم يكافحون ولأوقاتهم شاغلون، فاغتنوا بعد يسر الحال، وظهروا في الأضواء بعد الظلال.وأنت تهوي في مشاهدتهم لحفرة سحيقة، تطوي عليك بليل غائم لا ترى فيه نورا ولا قمرا ولا شهبا.لا يعني أن تسعى للجد دوما، حتى تشيب الرؤوس وتضيق الصدور فلا تجد متسعا للمتعة ولا وقتا للنزهة.غير أن الجري خلف هذا الهراء يوميا، واللهث وراءه طواعية، يذهب بالهمة ويفتر بالعزيمة ويقتل المرؤة، إنه يرتفع بك حيث يسقطك، وينتفع منك حيث يهلكك.لأنك تشاهد ما يحط من قدرك، يسحب بساط الكرامة من تحت قدمك، ولأنك تتأثر بما تشاهد.والعجب كل العجب ليس في متابعة من يذهب همك ويضحك سنك، فلقد أفرغ عليك أنسا.بل مشاهدة ما تنتقده وتزدريه ولا ترى منه إلا السخف والانحطاط.إن النفوس الراقية - يا أخي - والعقول الناضجة لا يمكن أن تشاهد مثل هؤلاء، إذ لا يشاهد المجنون كل يوم إلا من كان فيه شيء من الجنون، ولا يتابع السفيه دوما إلا من كان يشكو شيئا من ذلك.وإلا فالفطين المليء رصانة وفكرا ونضجا، يترفع عن مثل ذلك.إن الحديث عن هذا الأمر يؤلم القلب ويحير العاقل ويستنقص الواعي ويستصغر الراشد، فأي رجاء نرجوه لمستقبلنا وأي قدوة نقدم لأبنائنا.. فما العمر إلا سنوات وأيام وساعات، يذهب وأنت تشكو فراغ الأوقات وقلة المال وضياع الأحلام.فاحمل همتك وضع أهدافك واسعى لمستقبلك، وأبعد عنك غبار التافهين وركام المنحطين، وانأى بنفسك عن مستنقع موحل ترتدي فيه ثوبا ليس لك وتحمل فكرا لا يروق لك.