الرأي

ليلة التوعية بـ«قصر القامة»

عبدالمعين عيد الأغا
تشكل التوعية الصحية في وقتنا الحاضر أهم الوسائل الوقائية لتفادي التعرض للأمراض ولحماية جيل اليوم من التحديات الصحية في ظل تزايد الأمراض وخصوصا المكتسبة.ومن هذا المنطلق نحرص كوحدة غدد الصماء بقسم الأطفال بكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة بجانب تكريس التوعية لأفراد المجتمع حول العديد من القضايا الصحية والاجتماعية المرتبطة بصحة المجتمع ولا سيما الأطفال الصغار واليافعين باعتبارهم نواة المجتمع وعماد المستقبل وأمله المشرق.وفي الجمعة الماضية سعدنا بلقاء الآباء والأمهات والأطفال في اليوم التوعوي لقصر القامة لدى الأطفال، إذ تضمن هذا اليوم محاضرات عن قصر القامة ومستجدات العلاجات بجانب أنشطة وفعاليات ومسابقات مصاحبة، وكان التفاعل كبيرا وملموسا من جميع الحضور نحو مشكلة مرتبطة بجيل اليوم.والواقع أن قضية «قصر القامة» عند الأطفال تشكل أهمية كبيرة من ناحية التدخل المبكر، حتى يتمكن الطفل بلوغ الطول المناسب، فالمشكلة لا تقتصر على الجوانب المرضية والعلاجية فقط، ولكن هناك أبعاد اجتماعية ونفسية تترتب على معاناة الطفل مع قصر قامته والتي يتصدرها انعزاله عن الآخرين، فلا يريد أن يختلط بمن حوله بسبب قصر قامته مقارنة بالمحيطين به وفي نفس سنه، أيضا قد تنتج هذه العزلة بسبب تعرضه للتنمر من الآخرين فيفضل الانطواء ومجالسة أجهزته الالكترونية، بجانب شعوره بعقدة النقص والإحباط، والأهم من كل ذلك عدم تفاعله مع أي حدث اجتماعي داخل الأسرة أو خارجه.ومن خلال تشخيصي لحالات عديدة لقصر قامة الأطفال وجدت أن الأم كانت السباقة دوما في اكتشاف المشكلة والمبادرة بالتوجه إلى الطبيب، فكثير من الأمهات يلاحظن ذلك من خلال الطابور الصباحي لمدرسة الطفل بأن طوله غير مناسب مقارنة بزملائه الذين يبدون أطول قامة، ومن الملاحظات التي ترصدها الأمهات بقاء مقاس ملابس الطفل كما هو عليه بعد مرور فترة زمنية تتعدى الشهور.ومن الناحية الطبية هناك انعكاسات سلبية عديدة تترتب على تأخر علاج الطفل الذي يشكو من قصر القامة، فالطفل في هذه المرحلة يكبر عمره وجسده ما زال صغيرا، لدرجة أن ملامح وجهه تبدو طفولية، وقد يشكو من تأخر ظهور الأسنان، وتظهر عليه زيادة في الشحوم عن الكتلة العضلية، إذ يبدو قصيرا وممتلئا، ومع تأخير عرضه على الطبيب قد تتفاقم مشاكله مع مرور الوقت، لذا تكون النصيحة عند ملاحظة أن الطفل كبر في عمره وظل جسده كما هو عليه عرضه على الطبيب حتى يتم التدخل المبكر والوصول إلى نتائج أكثر إيجابية، وخصوصا مع التطور العلاجي الذي جعل الحقنة اليومية لهرمون النمو الآن «حقنة واحدة» تعطى أسبوعيا، وفي ذلك تخفيف الكثير من المعاناة والمتاعب التي كان المرضى وأسرهم يشكون منها.قد يتساءل البعض عن كيفية تشخيص حالات قصر القامة، ولهؤلاء أوضّح أنه لتشخيص وعلاج حالات الأطفال قصار القامة؛ تجرى عدة فحوصات وتحاليل للتأكد بالفعل أن قصر القامة الذي يشكو منه سببه نقص هرمون النمو وليس لأسباب عضوية أخرى، وبعد التثبت يتم بدء العلاج الذي يستمر معه إلى مرحلة انتهاء فجوات النمو والبلوغ، فالعلاج بهرمون النمو ليست «كورسات» أو شهورا وينتهي الوضع، بل يستمر الطفل تحت المتابعة والعلاج إلى مرحلة النمو، وفيها يتم التأكد أيضا بالتغيرات التي حدثت في الطول خلال العلاج بهرمون النمو.أخيرا.. أجدد التأكيد بأن الدراسات العلمية أثبتت أن من يشكو من قصر القامة الوراثي وهرمون النمو لديه سليم؛ لن يستفيد من العلاج بهرمون النمو، ومن يلجأ لذلك فإنه لن يكون هناك أي استجابة، وشخصيا أعتبر الأمر إهدارا للوقت والمال والعلاجات، ولكن في حال كان هرمون النمو سليما ولكن الطفل لا ينمو أي لديه مقاومة لهرمون النمو بسبب بعض الأمراض والمتلازمات التي تحدد بالتشخيص والتحاليل فهنا يمكن إعطاء الطفل هرمون النمو.