الرأي

دراسات الجدوى.. هل هي مجدية؟

ريما الهاجري
من المفارقات في عالم البزنس أن شركة الهواتف العملاقة (نوكيا) قد بدأت كشركة لصناعة الورق، ثم تحولت إلى مجال الالكترونيات والاتصالات لتحقق نجاحا منقطع النظير.فمازال أكثر من ثلاث هواتف لديها تتربع على أكثر الجوالات مبيعا في التاريخ حتى كتابة هذه السطور! (أكثر من سامسونج وأبل).وهذا دليل على أن تغيير نتائج دراسة الجدوى حسب معايير السوق وتغيراته مسألة مهمة.وقد قامت شركة تسلا للسيارات بدراسات جدوى قبل إطلاق سياراتها الكهربائية لكي تضمن وجود طلب كاف عليها يحقق الأرباح المطلوبة.إذن دراسات الجدوى وسيلة في غاية الأهمية، للوصول إلى تقييم مدى إمكانية نجاح مشروع تجاري نود أن نقبل عليه.وعلى وجه التحديد مدى جدوى «البزنس» من الناحية المالية والتشغيلية.والهدف في نهاية المطاف هو الوصول إلى قناعة من جدوى الاستثمار في المشروع من عدمه.ومن يملك دراسة جدوى احترافية ومبنية على معلومات متينة في الواقع يسهم في تقليل المخاطر المالية والتشغيلية، فليست كل فكرة قابلة للتطبيق على أرض الواقع، بعض الأفكار حالمة أو خيالية أو غير واقعية وبعضها الآخر يمكن أن تطبق بعد تطور التكنولوجيا لتجاريها.وتساعدنا الدراسة على اتخاذ قرارات رشيدة وتجنبها حتمية الفشل الذي قد يكون باهظا من دون دراسة جدوى «متعوب عليها» كما نقول بالعامية.دراسات الجدوى تشمل النواحي «الاقتصادية» التي تركز على تحليل التكاليف المتوقعة والعوائد المرجوة، و«الفنية» التي تضم تقييم المجالات التشغيلية والتقنية للمشروع، أما الجدوى «القانونية»، فتلك المرتبطة بمدى توافق المشروع مع القوانين واللوائح، و«البيئية» ففيها نقيم مدى التأثير البيئي للمشروع والالتزام بالمعايير البيئية.فمن يريد أن يؤسس أسطولا من الباصات أو سيارات الأجرة أو التوصيل في أوروبا وبعض دول الخليج مثلا لابد أن يدرك أن القوانين سوف تلزمه أو تغرمه بأن تكون سيارته مهجنة (بانزين وكهرباء) أو تعمل بالكهرباء كلية بحلول عام 2030 مثلا.وهذه كلها تكاليف يمكن أن يتكبدها.ما يميز دراسات الجدوى أنها وثيقة محايدة، يمكن من خلالها أن اقنع مستثمر بأن يضع أمواله معي كريادية أعمال.والمستثمر يجب أن يعي أن الدراسة مجرد محاولة موضوعية مبنية على أساس صلب من المعلومات الموثوقة.وذلك لا يعني ألا نكون مرنين في احتمالية تغير السوق، فما حدث مع شركة نتفليكس هو مثلا بليغ على مدى قوة المرونة وحسن اختيار توقيع التغيير، حيث بدأت الشركة في بداياتها بتأجير أقراص DVD عبر البريد، ثم أصبحت منصة كبرى لبث المحتوى الرقمي فاقت التوقعات.خلاصة الأمر، أننا نحتاج دراسة جدوى في كل مشروع، ولكنها ليس نصا مقدسا فقد نغير توجهاتنا في وقت ما حتى لا يكون مصيرنا مصير كاميرات «كوداك» الفورية ونوكيا التي ضاعت حصتها السوقية لتأخرها في جهود مواكبة العصر.rema__alhajri@