الرأي

هل الديمقراطية حبل نجاة الأمم الوحيد؟

شاهر النهاري
قديما وحديثا اختلفت شعوب الأرض في اختيار طرق الحكم المناسبة لمسارها، ينجح بعضها في زمانه ومكانه وبيئته وثقافاته، وتفشل أخرى مؤدية لزوال السلطة وضياع الأوطان، إما لعجز النظرية، أو سوء التطبيق، أو لفساد من يطبقونها، متسببين في هدم أسس التوافق والتطلع الحضاري.طرق عديدة ونظريات جربت، ونظم سياسية فرضت بالجور على مدى التاريخ، منها الإمبراطوري والملكي والجمهوري، والخلافة، والنازي، والإمبريالي، والشيوعي، والحزب الأوحد.وقد شهد عالمنا العربي بعد الاستعمار أنظمة بعثية، وناصرية، وجماهيرية، وغيرها مما لم يدم.ديمقراطية ما بعد الثورة الفرنسية، تبنتها الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها متناسبة مع الحالة العلمية والثقافية والمادية والفكرية لشعب الحلم الأمريكي حينها.غير أن أي نظرية عظيمة تترهل بمرور الوقت، وتتضح فيها الخروق، ما يسمح بانحراف أطياف مادية ودينية وسياسية بغرض الهيمنة وانتهاز الفجوات، ما قد يحيل الوطن إلى مغبة خلافات، ربما تؤدي لاندثار السلطة، وفرض النظام على الشعب بقوة الجيش، أو الهزيمة أمام القوى المتنازعة.وعليه فلا يمكن المقارنة بين الشعوب، ولا الأزمنة والأمكنة، ولا إجبار شعب باتباع قوانين بيئات مختلفة، مهما احتوت أساسات نظامها من عوامل عدالة وحفظ حقوق، وشفافية سلطة.نعم، الديمقراطية الفرنسية اختلفت اليوم بعد فتح أبواب الهجرة إليها، وتمكن غوغاء الشوارع، ما أشعل مكوناتها فكريا وعقديا وعرقيا لدرجة اللوثة، وبصور تهدد البقاء.وديمقراطية أمريكا تعتبر اليوم على المحك بتمادي تنافس الحزبين الحاكمين برعونة، ما يهدد مصير الوطن واستقراره.كل نظام حكم لا يتم مراجعته دوريا يسمح بتمكن الخلل، وتأخر المعالجة يثقل كاهل الحكومة، ويشجع المنتهزين بحيل وفلسفات تشجع الفساد على هدم أسس النظرية الجميلة القويمة.الديمقراطية ليست الحل لكل الشعوب، ولا لكل الأزمنة.فالنظام وخصوصية العيش والعمق الثقافي والفكري يحكم علاقات ذات الشعب بالحكومة، غير أن ذلك قد لا يدوم، حين تصطدم طموحات الأجيال الجديدة مع القديمة، وظهور الحاجة لمراجعة الأصول، وكشف الأخطاء، ومحاربة الفساد، وتسميح العوج.الديمقراطية ليست قالبا موحدا مثاليا متكاملا ثابتا يدوم، والوعي الشعبي يعلو أو يتحدر، ورعاة الفساد والشعارات الجوفاء متحفزون فاعلون، إذا لم يتم فضحهم وإفشال خططهم.طريقة الحكم المثلى هي العقلانية الجلية المتوازنة من كل الزوايا، ودون تهميش طيف شعبي أو جور، ولا كتم أنفاس المواطنين.والشعب الحكيم هو من يرتقي في معارفه وتجاربه، ويثقف أجياله بأصالة متكاملة، وبهدف استخلاص التوسط والتوازن، ومد الأيادي لحكومته، طالما أنها قريبة من صوته وحسه وقيمته وراحته، ومتفانية في خلق الرخاء والتماسك، ودون جور ولا عنصرية نوعية، ولا يهم بعد ذلك ما إذا كانت حكومة ديمقراطية أو غير ذلك.ما يحدث في دولة الكويت مؤخرا أمر صحي، ومراجعة عقلانية أتت في وقتها، لإعادة دراسة الأوضاع المحيطة والتجاوزات والأضرار الداخلية المترتبة، وكشف فساد من عطلوا الحكومة سنوات، وهي تجهد لإرضائهم من أطياف دينية ومذهبية وعرقية، أو دخلاء على النسيج الوطني، أو حاملي شعارات منظمات حقوق الإنسان، مهما أساؤوا لخصوصية الوطن وأهله.نتمنى للكويت حكومة وشعبا مرحلة رسوخ وثبات أمني ودرع تجدد وجلاء رؤية، وعمليات إصلاح نوعية كان الكيان والعقل الكويتي الوطني الحر يحتاجها.shaheralnahari@