التنمر يفتك بأطفالنا وآثاره تدمر حياتهم
السبت / 10 / ذو القعدة / 1445 هـ - 23:03 - السبت 18 مايو 2024 23:03
أطفالنا يصرخون من دواخلهم ولكن لا نسمعهم، ما يشعر به الطفل ضحية التنمر مؤلم جدا جدا وقد يفوق الوصف ولا يتحمله الكبار فكيف بطفل في المرحلة الدراسية مع هذا الكم الهائل من الأسئلة التي ليس لها جواب، المليئة بالدونية والذنب والنقص والعجز والحيرة، في موقف يتصاغر فيه حجم وجوده، وتتضاءل الحياة من حوله، يدمر ذواتهم ويعطل تفكيرهم ويجعلهم عاجزين عن فعل أي شيء، ومن المحزن أكثر بل من المبكي أن يتوقع أن هذا قدره، ولا يمكن لأحد أن يساعده، وآثاره لا تتوقف عند هذا الحد فقط، فقد أظهرت أبحاث أجريت مؤخرا أن تأثير التنمر في الطفولة قد يبقى لعشرات السنين، ويؤدي إلى تغييرات طويلة الأمد من شأنها أن تجعلهم أكثر عرضة لمخاطر الإصابة بالأمراض النفسية والعضوية.والغريب في الموضوع ويدق ناقوس الخطر في الوقت نفسه ما طرحته ورقة عمل بحثية صادرة عن مكتب الأبحاث الاقتصادية الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر 2022م، عن معدلات انتحار المراهقين أنها انخفضت بشكل حاد في مارس 2020م، وذلك عندما أغلقت المدارس في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية وتحول التعلم من التعليم الحضوري إلى «عن بعد» أثناء فترة جائحة كورونا، وأن معدلات انتحار المراهقين لم ترتفع مرة أخرى بشكل عام إلا في الشهر الذي عادت فيه المدارس إلى التعليم الحضوري، ووفقا للدراسة، فإنه عند عودة التعليم الحضوري زادت معدلات انتحار المراهقين بنسبة تتراوح بين 12% و18%، وهذا دليل قاطع على ارتباط الانتحار أو الميول إلى التفكير به بالتنمر في المدارس والسلوك العدواني والاستقواء بين الطلاب دون إجراءات رادعة من المؤسسات التعليمة أو التربوية، وأكدت الورقة أن ضحايا التنمر هم أكثر عرضة للانتحار بثلاث مرات من الطلاب الذين لم يتعرضوا للتنمر، وهذه حقيقة صادمة تدعو إلى حلول عاجلة وإجراء دراسات مسحية لقياس مستوى السلوك العدواني والتنمر في المدارس ثم برامج وطنية لمكافحة التنمر.وفي دارسة أخرى علمية حديثة في يناير 2024م، وهي دليل قاطع على زيادة حالات التنمر في العالم ونحن جزء من هذا العالم الذي أصبح قرية صغيرة في ظل هذه التقنية المتطورة وسرعة تناقل البيانات والإنترنت، ويزيد ما يواجهه أبناؤنا من مخاطر التنمر والسلوك العدواني في المدارس وغيرها، تقول الدراسة إن هناك العلاقة قوية بين التنمر في المدارس والظروف النفسية للطلاب، حيث شملت الدراسة أكثر من 95 ألفا من الطلاب والطالبات من المدارس الابتدائية والمتوسطة، وأجري عليهم عدد من المقاييس العلمية لقياس التنمر وأخرى لقياس المشكلات النفسية المتعددة، حيث بلغت نسبة من تعرضوا للتنمر من المشاركين بدرجات متفاوتة أكثر من 71%، وهذا نسبة مخيفة جدا، كما أظهرت الدراسة أن الطلاب الذين تعرضوا للتنمر بدرجة خفيفة كانوا أكثر عرضة للقلق، وللاكتئاب ومشاكل النوم والإدمان الرقمي بـ3 أضعاف عن غيرهم من الأطفال الذين لم يتنمر عليهم، والذين تعرضوا إلى درجات شديدة من التنمر كانوا عرضة إلى ما يقد يصل حتى (11) ضعفا من الأمراض النفسية المذكورة آنفا وغيرها من الاضطراب السلوكي، فكلما كانت حدة التنمر أكبر كلما زادت احتمالية المعاناة من مشكلات نفسية.التنمر عدو خفي يقوض الكثير من جهود التعليم وما تبذله قطاعات التعليم المختلفة، لما أكدته الدراسات من آثاره السلبية على المستوى المعرفي والأكاديمي والمهاري والنفسي، ومما يؤدي إلى خسارة فادحة في الجهود المبذولة في إعداد هؤلاء الطلاب ليكونوا على مستوى التوقعات وما يتطلبه المستقبل والأوطان من إمكانات وكفاءات ومهارات وقدرات قادرة على اقتناص الفرص الأجدر واختيار الخيارات الأمثل، في أضيق الأوقات وتحت زخم التحديات والضغوطات على اتخاذ القرارات الصائبة، هؤلاء هم من يتمتعون بصحة نفسية عالية، وقد يكون التنمر سببا في خاسرة بعض هؤلاء بكل تأكيد.أعتقد هنا لو وجهت القطاعات التعليمية الكثير من الضجيج والهدر الإداري والمالي على الرخصة المهنية وإلزام المعلمين بالرجوع إلى الأطر المعرفية والنظريات والمصطلحات القديمة من بدايات القرن الماضي وطريقة تعلم الحيوانات وغيرها، والتي ليس لها فائدة مباشرة على الميدان التربوي، أقول: لو وجهت هذه الجهود على برامج لمكافحة التنمر والسلوك العدواني وكيفية التعامل مع أبنائنا الطلاب والمراهقين وتنمية قدارتهم ومهاراتهم الفكرية والشخصية والاجتماعية بما يتناسب مع هذا الجيل الذي اختلفت خصائصه وتحدياته وسط هذا الفضاء التقني المفتوح؛ لحققنا قفزات نوعية في كفاءة التعليم.3OMRAL3MRI@