الضبابية المتحورة للذكاء الاصطناعي
الأربعاء / 7 / ذو القعدة / 1445 هـ - 22:18 - الأربعاء 15 مايو 2024 22:18
لم يعد خافيا الخوف الذي يخيم على المنظرين والمشرعين والباحثين وصناع القرار الاستراتيجي الذكي، في قدرة الأنظمة التقنية الحالية لملاحقة تمكين الثقة المتأرجحة واستدامتها في أدبيات وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وهذا يعني ضمنيا وجود ضبابية متحورة في الذكاء الاصطناعي وخوارزمياته، مما يجرنا نحو الضبابية المتحورة للذكاء البشري أيضا الموجه للبرمجة وكيفية فهمها والتعامل معها والبحث العلمي بتعمق فيها قبل أن تُنقل وتنتقل للذكاء الاصطناعي، وهي أصلا منتقلة وسنأتي بشرحها.من هنا علينا أن نقر أن للذكاء الاصطناعي أمراضا تقنية خاصة مقصودة أو غير مقصودة، وقد تهدد البشرية من ناحية الانقراض بعد التمدد والانقضاض، ولعل الضبابية المتحورة من منظور فلسفي نظير التأرجح في الثقة هي الوحش المفترس الذي سيفاجئ البشرية، ومن أشد تلك الامراض التقنية هو النقل الصريح من العقل البشري الى الصناعي والآخر الانتقال الضبابي وارتباطهما بحافة الفوضى في تحولات الذكاء الاصطناعي المتسارع وكيفية عبورها والقفز منها بسلام والذي كتبت عنها في مقال سابق عام 2021.(فرضية حافة الفوضى «Edge of Chaos» المشتقة إجمالا من نظرية الفوضى «Chaos Theory» العلمية المتعددة التخصصات كفرع من الرياضيات؛ تستخدم للإشارة إلى المساحة الانتقالية بين النظام والفوضى، وتعرف منطقة الانتقال بين أي نظامين بينهما حركة ديناميكية باسم حافة الفوضى، وهي منطقة من عدم الاستقرار المحدود التي تولد تفاعلا مستمرا وارباكا بين النظام والفوضى، ويفترض أن تكون هذه المساحة بين الموقعين موضعا لأقصى قدر من التعقيد والديناميكيات التي تقود التطوير)، وقد تقود للاستغلال والتدمير لو كان العبور والقفز منها اعتباطيا غير مدروس واعتماديا غير محروس.الحراك المتوازي في الساحة العالمية التشريعية والإرشادية لمفهوم أدبيات وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي وكل ما يتعلق بها من الحد من التحيز في أنظمة الذكاء الاصطناعي واتخاذ القرار بمساعدة الذكاء الاصطناعي، يأخذ حيزا كبيرا من بذل الجهود التي تقوده الخبرات من مختلف دول العالم في عضوية عائلة مواصفات الذكاء الاصطناعي في الأيزو العالمية ISO/IEC JTC 1/SC 42 ، والتي تحوي 28 مواصفة منشورة و33 تحت التأسيس حتى كتابة هذا المقال، وهو عدد كبير من المواصفات المختصة بمعظم مفاصل الذكاء الاصطناعي شاملا الأدبيات والأخلاقيات، بدأت من وقت ليس ببعيد عام 2017 ودخلت بتسارع ملحوظ لمن يتابعها بطلبات تأسيس مواصفات متتالية من بعض الدول المشاركة، وكأنها ثورة لاحتواء التمدد المخيف للذكاء الاصطناعي ومنه التوليدي.فحين الحديث عن القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختها الثالثة التي تم الإعلان عنها قريبا، والتي ستقام في الرياض في سبتمبر المقبل وتنظمها «سدايا» تحت رعاية سمو ولي العهد حفظه الله؛ فلا بد من أخذ هذه العائلة من المواصفات بمحمل العناية والرعاية والتسويق المتجرد من المصلحة الخاصة نحو المصلحة العامة الاستراتيجية، والتي تشارك في تأسيسها المملكة من خلال أعضاء خبراء من الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، فكل مواصفة منها ذات موضوع مهم قد لا تغطيه قمة أو مؤتمر واحد في فترة محدودة.الخوف من الضبابية المتحورة موجود ضمنيا وتعلن عنه كثير من الأبحاث العلمية في هشاشة الذكاء الاصطناعي ومنه التوليدي في الحصول على المعلومات بشكل موثوق بدون خداع مع بقاء قدرته بالتأكيد على النفع والتطور في النفع، والأمثلة كثيرة التي تُطرح في الأبحاث والدراسات ومنها كما يشار؛ إن أنظمة الذكاء الاصطناعي هشة للغاية ولها عواقب مدمرة محتملة مثل التشخيص الخاطئ للسرطان أو التسبب في حادث سيارة، والهشاشة أو الضبابية تكمن فيما ذكرته في مقال 2021 عن (الهوة التي تعاني منها الشبكات العصبية الذكية في الذكاء الاصطناعي، المتمثلة في معضلة الاستقرار واللدونة Plasticity Dilemma-Stability كالزهايمر في الإنسان من حيث النسيان لبعض المعرفة السابقة).لكن الأمر المخيف بدرجة عالية وأضعه تحت مضمون فلسفة الضبابية المتحورة؛ وهو الخداع والغش المقنن المقصود لبرمجة الذكاء الاصطناعي، الحاضر في بعض الألعاب مثل لعبة الدبلوماسية المعنية بغزو العالم ولعبة البوكر البعيدين عن النزاهة، مع أن الأمر من منظوره العام قد يبدو غير ضار إذا قامت أنظمة الذكاء الاصطناعي بالغش في الألعاب فقط، إلا أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى «اختراقات في قدرات الذكاء الاصطناعي الخادعة» التي يمكن أن تتحول إلى أشكال أكثر تقدما من خداع الذكاء الاصطناعي في المستقبل، كما يشير له الباحثون في ورقة حديثة جدا تم نشرها في مجلة Patterns في مايو 2024 بعنوان AI deception: A survey of examples, risks, and potential solutions، بحيث قاموا بتحليل الأدبيات التي تركز على الطرق التي تنشر بها أنظمة الذكاء الاصطناعي معلومات كاذبة من خلال الخداع المتعلم، وتتعلم بشكل منهجي كيفية التلاعب بالآخرين.ما نستفيد منه ولو بشكل بسيط؛ هو أن الذكاء الاصطناعي والتعامل به ومعه ومن خلاله ليس بالأمر الثابت البسيط بالرغم من فوائده الجمة النزيهة، فهو متحور ويحظى بالضبابية ويستوعبها وبالهشاشة ويراوغ بها وبالنزاهة والخداع ويتلاعب بهما، لذا مواضيع أخلاقيات وأدبيات الذكاء الاصطناعي في المؤتمرات والقمم العالمية للذكاء الاصطناعي يجب أن تحظى بنصيب الأسد في توثيق الثقة لدى المتعاملين، والمنظمات المحلية والعالمية على حد سواء والتي تسوق لأنظمة الذكاء الاصطناعي في المعارض والمحاضرات في تلك الفعاليات؛ يفضل ارشادها بتطبيق تلك المواصفات العالمية التي أشرنا اليها إن لم تكن، ويليها مستقبلا ولحداثة المواصفات التأكد من ترتيباتها للحصول على الشهادات الموثقة والمحدثة بعد التدقيق من التطبيق لتلك المواصفات إذا اعتمدت، والأجدى الاطلاع الشخصي على تلك الترتيبات للمواصفات وكيفية التقيد بها لمن يدعي الالتزام والنزاهة قبل التعاقد معه.zuhairaltaha@