الرأي

اضطراب «الألعاب الالكترونية»

عبدالمعين عيد الأغا
يقول أحد الآباء في رسالته: يا دكتور تعبت مع ابني الذي لم يتجاوز الـ11 من عمره، مشكلته يقضي جل وقته وراء الألعاب الالكترونية، لدرجة ظهر السواد أسفل عينيه، فلا يغمض جفونه وقت النوم إلا بعد أن ينتهي من كل ألعابه الالكترونية، لدرجة انخفاض مستواه العلمي، فماذا أفعل معه، هل أستخدم أسلوب الضرب لإنهاء معاناتي معه ويعود إلى جادة الصواب ويسمع الكلام؟الواقع أن هذه المشكلة منتشرة في معظم البيوت، فللأسف لم تعد مثل هذه المشكلة حالة فردية بل شكلت ظاهرة ملفتة للنظر، وبالطبع ضرب الأطفال لا يعتبر حلا لمواجهة هذه المعاناة بل قد يؤدي ذلك إلى ظهور سمات أخرى كالعناد والعدوانية والعنف وغيرها، فهذه المشكلة من مؤشرات إصابة الطفل باضطراب «الألعاب الالكترونية»، فهناك بعض العلامات التي تكشف لنا أن الطفل يعاني من هذا الاضطراب أولها التفكير والرغبة المستمرة في الألعاب الالكترونية، إذ يصبح تفكير الطفل منصبا نحو الألعاب الالكترونية فلا يخلد للنوم إلا بعد أن ينتهي من لعبته وهو على السرير أيضا، وثاني هذه العلامات تحول الطفل إلى شخص سريع الغضب ومتقلب المزاج وعدم سماع كلام الوالدين، وثالثا فقدان الاهتمام بممارسة مختلف الهوايات الأخرى وجعل الألعاب الالكترونية هوايته المفضلة، رابعا العزلة الأسرية والاجتماعية والانطواء بعيدا عن الآخرين بمعنى لا حياة اجتماعية له مع المحيط الأسري.ولا شك أن إدمان الأطفال الصغار واليافعين للألعاب الالكترونية هو نمط مستمر أو متكرر يؤدي إلى ضعف التحكم في الوقت المخصص لهذه الألعاب، مما يؤدي إلى إعطاء أولوية متزايدة للألعاب إلى حد تأخذ فيه الأولوية على اهتمامات الحياة الأخرى والأنشطة اليومية والاستمرار في الألعاب على الرغم من حدوث العواقب السلبية.والحقيقة التي لا يجهلها الجميع بأن إدمان الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة يوميا أمام الأجهزة يترتب عليه الكثير المشاكل النفسية والاجتماعية الخطيرة، بجانب المشاكل الصحية كعدم النوم الصحي، قصر النظر، آلام في الجسد والمفاصل، وزيادة الوزن، ولكن في الاتجاه الآخر يشعر هؤلاء الأطفال بالسعادة لأن هذه الألعاب تمنحهم النشوة والإحساس بالقوة والتحكم بعالمهم الخيالي.ومن الأمور التي ساعدت على إدمان الأطفال للأجهزة وزيادة ساعات استخدام الجوال عند الأطفال هو كثرة تطبيقات الألعاب الجديدة، إذ إن الشركات المنتجة للألعاب بدأت تتنافس وتطلق نسخا جديدة من الألعاب لجذب الأطفال أكثر وجعلهم يقضون جل أوقاتهم مع هذه الألعاب.كما أن السهر بسبب نشاط الألعاب الالكترونية لوقت طويل ليلا يؤدي إلى صعوبة استيقاظ الطفل في الصباح وحرمان جسده من الهرمونات المهمة التي تساعده على النمو الصحي وبلوغ الطول، مما ينتج عنه مشكلات جسدية وصحية عديدة، بإلاضافة إلى ضعف تحصيله التعليمي.وأخيرا.. نأتي إلى الإجابة على سؤال الأب الفاضل:أولا: يجب على الوالدين إظهار الحزم بأسلوب وطريقة مناسبين وغير مؤذيين، إذ يجب تقليص الساعات التي يقضيها الطفل يوميا مع الأجهزة تدريجيا بالاتفاق معه إلى أن يصل الأمر إلى تحديد ساعتين فقط يستخدم فيها الطفل الأجهزة حسب رغبته، مثلا ساعة في النهار ومثلها بالليل، وهاتان الساعتان محددتان وفقا لجمعية طب الأطفال الأمريكية التي أطلقت عدة تقارير تحذر فيها من انعكاسات استخدام الأطفال للأجهزة أكثر من ساعتين يوميا وتحديدا الأمراض التي بدأت ترصد في العيادات بسبب الأجهزة.ثانيا: توجيه وحث الأطفال على الهوايات والرياضات المختلفة مثل كرة القدم والسباحة، ويمكن له الاشتراك في النادي الذي يتضمن مختلف الألعاب الرياضية فالأطفال يحتاجون إلى تفاعل إنساني فعلي لتعزيز مهاراتهم الاجتماعية وأنشطتهم الحركية.ثالثا: تشجيعه على قراءة الكتب المختلفة التي تثري حصيلته الفكرية والعلمية وتتفق مع عمره وميوله، وهناك أنشطة عديدة تبعده عن عالم الأجهزة وتخفف الكثير من ساعات استخدامه لها.رابعا: توعية الأطفال بالآثار الضارة للأجهزة، من خلال إطلاعهم على مقاطع فيديو متنوعة حول الآثار الضارة لاستخدام الهاتف الذكي، وهي موجودة ومنتشرة في النت بشكل كبير.خامسا: إجبار الأطفال على تنظيم الوقت، وعلى الوالدين مساعدة الطفل على تنظيم وقته بشكل مناسب بين الأنشطة المختلفة، بما في ذلك الدراسة وممارسة الهوايات والاسترخاء، بحيث لا تسيطر الأجهزة الالكترونية على وقته بشكل كامل.وبعد كل هذه التوصيات أنصح الآباء والأمهات بتقييم ومراقبة أداء الأطفال لمعرفة الأنشطة التي تحفزهم، وبالتأكيد سيجدون فوارق كبيرة حدثت في حياتهم من خلال «الحزم الجاد» في التعامل معهم في هذا الجانب.