الرأي

مشاهير زمن السرعة

فهيد العديم
هناك مقولة لسيلوين ديوك يقول فيها «كلما ازداد ابتعاد المجتمع عن الحقيقة ازدادت كراهيته لمن يجاهرون بها»، هذه المقولة اللاسعة تأتي بأناقة دبور محترف، لتضعنا في مواجهة أنفسنا حيال العديد من الظواهر المجتمعية، وطريقة تلقينا لهذه الظواهر، خاصة في عصرنا هذا، عصر السرعة، وعندما نتحدث عن السرعة فإن الحقيقة هي أولى ضحايا السرعة، فعلى سبيل المثال؛ تصل الشائعات لأقاصي الدنيا «بضغطة زر»، بينما تحتاج الحقيقة لأيام أو ربما تحتاج من يوقظها كي تقول كلمة الفصل!الحديث هنا ليس مقارنة بين الشائعة والحقيقة، ولكن عن طريقة تلقينا للمعلومة أو الخبر، لا أقول دون التأكد من مصدره أو مصداقيته فحسب، بل حتى من منطقيته؛ فأصبح - على سبيل المثال - الناس يتناقلون مقطعا مرئيا لشخص يتحدث عن علاج شعبي (خلطة) للقضاء على العديد من الأمراض والأوبئة والصراصير (الأخيرة بغرض تسويقه لدى شريحة النساء)، وينتشر المقطع انتشار الترند في السوشال ميديا (لا نار ولا هشيم!)، وإذا سألت الشخص الذي أرسله لك سؤالا عفويا: هل تعرف المتحدث صاحب وصفة العلاج؟ ببساطة وعفوية لا تخلو من سذاجة لا تدري هل هي وراثية أم مكتسبة، يجيبك: لا! وإذا سألته هل هو طبيب أو متخصص في الصيدلة، سيشعر إنك متخصص في قتل المتعة و»الفلسفة»، وسيقول لك إن هذا «إعلامي» معروف في السوشال ميديا، ويتابعه الملايين، وتسأله معروف بماذا؟طبعا سيستغرب من صيغة سؤالك لأن كل مشاهير السوشال ميديا ليسوا مشهورين بأي شيء؛ فلا هم علماء حائزين على نوبل، ولا مفكرين، ولا من نجوم الفن أو الرياضة، كل ما في الأمر أن الناس يتابعونهم ولا يدرون لماذا يتابعونهم، والمشاهير بدورهم أصبحوا يتحدثون بكل شيء من الفن للأدب للرياضة لقلة الأدب، والأخيرة بالذات مسوقة وتقبل من المشهور لأنه مشهور فقط!القضية هنا ليس فقط لأنه سوق - بدم ووجه بارد - علاج غير مضمون العواقب، وقضيتنا ليس معه، بل معنا نحن، فمراحل متابعة المشهور تبدأ في مجرد فضول لمعرفة ما يقوله ويفعله، ومن ثم تتحول إلى متعة (خاصة عندنا يبدأ بقول أو فعل أشياء نستحي أن نفعلها نحن!)، ومن ثم تصل لمرحلة أنك تتابعه من باب العادة، وتأخذ كلامه كنوع من المسلمات، والمرحلة الأخيرة هي تحولك لجمهور على غرار جمهور كرة القدم، فيرى أن هذا المشهور يدخل ضمن مساحته الخاصة، والتشكيك في ما يقوله يعتبر تعديا عليه، وينتقل الحوار من نقاش ما يقوله إلى دفاع مستميت عن شخص المشهور، ويحلف لك هذا المشجع أن هذا المشهور العظيم فعل ما لم تفعله الجمعيات الخيرية وكرماء العرب مجتمعين، وكيف أنه أنفق على المحتاجين وبشهادة ملايين المتابعين دون أن تعلم يساره ما تنفق يمينه!