الرأي

اللغة العربية أولا أيها الآباء والأمهات

سماهر الغامدي
في زمن الانبهار باللغات، وتحديدا اللغة الإنجليزية، والسعي الحثيث من الآباء والأمهات إلى تعلُمها وتَعلِيمها لأبنائهم، أجد أن كل مسلم متقن للغة العربية هو في نعمة عظيمة لا تقدر بثمن.أقول هذا، ونحن في زمن حرص فيه الآباء والأمهات على تعليم اللغة الإنجليزية لأبنائهم.فألحقوهم بالمدارس العالمية، وجلبوا لهم من المعلمين من يتحدثها، وبذلوا كل جهدهم وتركيزهم عليها، وعدوا ذلك مدعاة للفخر ودليلا على الإنجاز.ولا أرى مانعا في ذلك، إن لم يكن اتقان اللغة الإنجليزية على حساب اللغة العربية وإتقانها.ولكن ما نراه اليوم حولنا، أن التركيز أصبح عليها، وأن لغتنا العربية باتت منسية.ويا لها من مصيبة عندما ينشأ الطفل العربي المسلم وهو لا يتحدث لغته الأم، التي إن لم يتقنها لأنها لغته الأم فهي لغة دينه، ولغة كلام ربه، ولغة نبيه. ولعل ما قادني إلى كتابة مقالي هذا، هو رحلتي في الشهر الفضيل إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة.حيث تتوافد حشود المسلمين إلى البيت العظيم من كل حدب وصوب لأداء مناسك العمرة، والصلاة والقيام في المسجد الحرام.ونظرا للازدحام الشديد أثناء أداء العبادات كالطواف والسعي، فإنه ـ وبغير قصد ـ قد تسمع دعاء المسلمين من حولك، وقد تجد نفسك بلا وعي تؤمن عليه، خاصة عندما تسمع الدعاء من البعض، الذين فتح الله عليهم بالاسترسال في الدعاء، والتذلل له عند طلب الحاجات.  فهناك سمعت الدعاء بلهجات عربية مختلفة: كالمصرية، والخليجية، والشامية، وغيرها كثير، وسمعته أيضا بغير العربية، وهذا ما استوقفني كثيرا.شعرت بالمعاناة التي يعانونها عند النطق، فمنهم من كان يحاول جاهدا نطق الأدعية من كتيب في يده بشكل صحيح، فتسمعه تارة يجيد النطق، وتارة تسمعه يخطئ.ومنهم من سمعته يقرأ الآيات من القرآن الكريم، فتارة ينطقها بشكل صحيح، وتارة لا.وهنا أتساءل: هل تكمن المعاناة فقط في إتقان المنطوق؟ أم تتعادها إلى فهم المقروء؟ واستشعار المعنى المقصود؟.هنا وجدت نفسي أتوقف لبرهة، وأستشعر نعمة ربما اعتدت عليها، ولم ألق لها بالا من قبل، ألا وهي اتقان اللغة العربية، فالحمد لله حمد الشاكرين.فنحن ـ ولله الحمد ـ نقرأ القرآن، ونحسن النطق، وندرك المعنى، ونفهم القصص، ونأخذ العظة والعبرة منها بسهولة وسلاسة، لا تقارن بمن لا يتقن اللغة العربية.ونقرأ أحاديث الرسول الكريم ـ عليه أفضل الصلاة والتسليم ـ وندرك ونعي المقصود دون جهد يذكر.ونردد الأدعية الواردة في القرآن والسنة بنطق صحيح، وإدراك ووعي تام بالمعنى، وقدرة على التكرار، والالحاح في المواطن التي تستوجب ذلك.وهنا، تذكرت حال بعض الأطفال العرب المسلمين، الذين نجدهم حولنا في كل مكان، في السوق أو في الشارع، يتحدثون بينهم وبين بعض باللغة الإنجليزية، حتى لا تكاد تظن أنه عربي.وتجد الأم والأب ممن يتحدثون العربية، ولكن يغيرون لغتهم إلى الإنجليزية عند الحديث مع أبنائهم، لأن أطفالهم لا يفهمون اللغة العربية!.هل يعقل أن يتقن الطفل لغة أجنبية أكثر من لغته الأم؟، هل يعقل أن تكون لغتنا لغة القرآن العظيم ولغة رسولنا الكريم، ولا يكون هذا دافعا إلى تعليم أبنائنا إياها، والحرص على ذلك؟.إن اللغة العربية لغة عظيمة، وإتقانها نعمة لا تقدر بثمن.فحريّ بكل مسلم استشعار هذا النعمة، وشكر الله عليها، والمحافظة عليها، وحريّ بكل أب وأم السعي لتعليم أبنائهم اللغة العربية، والحرص على إتقانها، والتركيز عليها أولا قبل أي لغة أخرى، فوالله إنها لفخر كل مسلم، وإن أعظم إنجاز لكل أب وأم هو إخراج أجيال تتقنها، فلا مستقبل ولا إنجاز أعظم من إتقان قراءة كتاب الله وسنة نبيه، وفهم معانيهما والعمل بمقتضاهما، فهذا هو الربح في الدنيا والآخرة.