الرأي

سحاب أبها

حسن علي القحطاني
النظر إلى السحاب يسعد القلب، يدخل الأمل للروح، يدعو العقل للتأمل، يخفف ضغوط الحياة، وعلى قمة من قمم أبها قابلت سحابة وصلت بين طرفي السماء؛ بتدرج يسحر العين، بلا مقاومة توقفت احتراما لجبروت حضورها، منظر مهيب كأن السماء دونها سماء.بدأت أدون بعض أفكار هذا المقال، وبلا تأخير حضرت كلمات الشاعر الأمير خالد الفيصل وهو يكلم (يحاكي) سحاب أبها قائلا:يا سحايب سراة أبها تعدي شمالواستعيري دموعي سيلي كل وادإلى أن قال:مير أشوف التسلي عن هواها استحالوقفي يا سحابة حمل الأشواق زادعند هذا البيت ابتسمت؛ وحمدت الله أن أبا بندر أعفى سحاب أبها من أمر الرحيل شعرا؛ فهو أمير عسير في حينها؛ وملهم الشعراء والأدباء والمثقفين فيها، ومصدر متدفق للحراك الفكري والأدبي بيننا؛ ويحتل مكانة مرموقة ومؤثرة في نفوسنا - وبلا شك إلى الآن -، ولن تجد من ينظِم بيتا؛ ولا يكتب سطرا؛ ولا حتى جمهور يتلقى أن أتم توجيهه، وما أن أفقت من حديثي مع نفسي حتى نظرت إلى السماء؛ تخيلتها تبتسم أيضا، وحالا؛ لاح من بين لآلئها البيض برق أضاء عتمة السماء المنفردة بجمال لوحتها، زلزل رعدها كل خوفي ويأسي وحيرتي، وجادت بأكرم ما فيها فأمطرت.طربت أذني لصوت اتصال السحابة بالأرض؛ وتسامت المشاعر مع تعبير الأرض عن شكر السحاب على أغلى هداياها فنشرت ممتنة على وجهها أجود العطور؛ عطور تزكي الأنوف الشم؛ لم يدنسها تزييف المصانع ولا علامات تجارية سهلة التقليد؛ سيئة النتائج.راق لي وصف ذكره الأصمعي عن غلام وعده بدرهم إن أجاد وصف السحاب الممطر؛ قال الغلام: تراءت المخايل من الأقطار، تحن حنين العشار، وتترامى بشهب النار، قواعدها متلاحقة، وبواسقها (أي الطويل منها) متضاحكة، وأرجاؤها متراصفة، فوصلت الغرب بالشرق، والوبل بالودق، سحا دراكا، متتابعا لكاكا (متزاحم)، فضحضحت الجفاجف (تبينت هيئته)، وأنهرت الصفاصف، وحوضت الأصالف، ثم أقلعت محمودة الآثار، موقوفة الحبار.أما في تراثنا الشعبي فنهاك الكثير من القصائد والقصص عن عشق السحاب، وللشاعر خالد الوقيت قصيدة جيدة بعنوان (عاشقي السحاب) يصف فيها ليلة جمعته مع أصدقاء كرام من عشاق السحاب ومحبي المطر فقال:البارحة سيرت بين العشاوينعلى ربوع يعشقون السحابيحتى قال:حب المطر يجري بها بالشرايينوإلى انقطع، قلبه من الهم ذابيهذه حقيقة ما بها أي تخمينقصة ربوع يعشقون السحابيأخيرا.. النظر إلى سحاب أبها يجعل الخيال أسير روعة جمالها وغمامها، ومستبشرا لتساقط أمطارها، مصدرا لسعادة يصعب أن يعادلها شيء آخر؛ سوى التسبيح بحمد خالقها.hq22222@