الرأي

وداعا رمضان.. وربما المشاهدة التلفزيونية المعتادة أيضا

عبدالله علي بانخر
أوشك رمضان على الرحيل هذا العام 1445هـ المصادف 2024م.. وككل عام تتسارع الأيام بعد العشر الأوائل من الشهر الكريم.. أو كما يقول المثل الدارج «إذا عشر دشر».. أي إذا انتهت العشر الأيام أو الليالي الأولى شارف الشهر على الانقضاء سريعا.نسأل الله كما بلغنا جميعا رمضان هذا العام أن يتقبله من الجميع ويعيده على الجميع أعواما عديدة وأعمارا مديدة بإذن الله.قد سبق قبل بدايات الشهر الترحيب بحلول رمضان 1445هـ / 2024م بمقال أهلا رمضان كأحد أبرز مواسم العام المليئة بالخيرات والبركات في كل مناشط الحياة وكذلك الإعلامية والإعلانية بشكل خاص.. كما يعود الشهر الفضيل بأفضاله على الوسائل الإعلامية وتحديدا التلفزيون بالرواج الإعلامي للمحتوى المنتج خصيصا للعرض في رمضان والرواج الإعلاني المصاحب لهذا المحتوى ضمن مواسم الرواج التجاري للشهر الكريم، وهناك العديد من الفرضيات الأساسية او المسلمات البديهية التي عادة ما يتميز بها شهر رمضان إعلاميا وإعلانيا في أغلب الدول العربية وبالأخص في السعودية، رغم تطابقها مع معظم من الدول العربية والإسلامية، نذكر بأبرز ملامحها فيما يلي:1 - ارتفاع حجم الانتاج الإعلامي المخصص لشهر رمضان ضمن معدلات الإنفاق السنوي لأغلب القنوات التلفزيونية.2 - ارتفاع نسب المشاهدة التلفزيونية بشكل عام سواء على البث العام Broadcasting على القنوات التلفزيونية الفضائية المعتادة او البث الخاص Streaming على المنصات والوسائط الرقمية المجانية والمدفوعة.3 - تضاعف الدخل الإعلاني الشهري للقنوات التلفزيونية بمختلف أنواعها نتيجة للرواج الاقتصادي والتجاري الذي يشهده الشهر الكريم علاوة على تغطية نفقات الصرف البرامجي للمواد الإعلامية والاستحواذ على أكبر حصة ممكنة من الدخل الإعلاني.4 - تذبذب ملحوظ في المشاهدة التلفزيونية في الأيام الثلاثة الأولى في رمضان للتسوق والاختيار والمشاهدة بين القنوات والأعمال المقدمة من مسلسلات وبرامج لمتابعة الأنسب من حيث المضمون والشكل والتوقيت والعروض الحصرية وكذلك العروض بدون إعلانات او إعلانات أقل.5 - استقرار نسبي في معدلات المشاهدة التلفزيونية فيما بعد خصوصا في الأيام العشرة الأولى من الشهر الكريم، ويستمر ذلك حتى انتهاء ثلثي الشهر أي بعد انقضاء 20 يوما وليلة من رمضان.6 - تغير ملحوظ في خريطة المشاهدة التلفزيونية في الثلث الأخير من الشهر في اكتساب أو اللحاق بالمزيد من الطاعات في العشر الأواخر تحريا لليلة القدر.. علاوة على بدء استعدادات استقبال عيد الفطر السعيد.7 - تراجع الاعمال المطولة لكامل الشهر إلى أضيق الحدود سواء المسلسلات والبرامج المطولة في 30 حلقة من تقليص أو اختفاء فترات الذروة الصباحية المبكرة قبل وبعد منتصف الليل للمشاهدة، علاوة على تأثر فترات الذروة المسائية قبل وبعد الإفطار أصلا.8 - تفتت تدريجي في نسب المشاهدة المشتركة للبث التلفزيوني العام رغم استمرارية ارتفاعها النسبي أمام المشاهدة الفردية أو محدودة العدد عبر وسائل ووسائط ومنصات وتطبيقات رقمية متعددة.9 - تراجع ملحوظ في تقلص فترات الذروة المعتادة للمشاهدة التلفزيونية على البث العام بشكل منتظم لصالح البث الخاص.10 - تسارع قوي للتحول الرقمي عموما وعلى الوسائل الإعلامية خصوصا وعلى التلفزيون على الوجه الأخص وفي السعودية على وجه التحديد.وفي السابق اعتمد السوق الإعلامي والإعلاني على أساليب تقليدية في إجراء دراسات الوسائل الإعلامية Media Studies.. بدءا من المقابلات الشخصية وجها لوجه Face To Face Interviews ثم كتابة المذكرات اليومية Dairies ثم المقابلات الهاتفية Telephone Call Interviews.. اعتمادا على عينة يفترض أنها ممثلة للجمهور العالم في كل سوق أو منطقة أو دولة.ومع الانشطار الكبير لأعداد القنوات الفضائية استمر الحال فيما بعد على قياس المشاهدة التلفزيونية عبر نظام آلي لرصد المشاهدة عبر الاتصالات الهاتفية CATI System، واعتمدت شركات الدراسات الإعلامية قرابة عقدين من الزمان ومن أشهرها شركة إبسوس IPSOS العالمية وغيرها، ورغم المحاولات المستميتة في بعض الدول العربية لتطوير هذا الأسلوب في رصد وتوثيق المشاهدة التلفزيونية لحظة بلحظة وليس اعتمادا على التذكر Recall لمشاهدات اليوم الحالي أو السابق.. إلا أن السوق الإعلامي السعودي نجح بعد محاولات عديدة وتحديات مريرة منذ أكثر من عامين في الاعتماد على أجهزة قياس متطورة لحظية وآنية يطلق عليها TAM، أجهزة قياس عن بعد، وتوفرت هذه الأنظمة والتراخيص الرسمية اللازمة لشركة التصنيف الإعلامية Media Rating Company شركة سعودية متخصصة في قياس المشاهدة التلفزيونية من خلال عينية منزلية Household لعدد 2400 أسرة سعودية وعربية في أغلب المدن الرئيسية في المملكة وفقا للتوزيع الإحصائي الرسمي.ووفقا لتقارير كل من شركة إبسوس وشركة التصنيف الإعلامية MRC، يتوفر لدى السوق السعودي - السوق الأكبر إعلاميا وإعلانيا في المنطقة العربية - معلومات قيمة فعليا ومفيدة عن عمليات عبر آخر نظامين أو أسلوبين مختلفين في رصد وتوثيق المشاهدة التلفزيونية إما بشكل عام تقليدي في السابق أو بشكل عام غير تقليدي رقمي وحديث، والمعلومات متوفرة والخيارات أيضا متاحة لكل صناع القرار الإعلامي والإعلاني على حد سواء في السوق السعودي بشكل خاص وعلى وجه التحديد وتأكيدا لكونه السوق الأكبر إعلاميا وإعلانيا في المنطقة العربية في الوقت الحاضر.بإطلالة سريعة على النتائج المتاحة عن المشاهدة التلفزيونية في السعودية في 15 يوما من رمضان هذا العام ووفقا للمصادر المذكورة سابقا متاحة في رمضان هذا العام نجد ما يلي:أولا: نتائج تقارير شركة إبسوس IPSOS العالمية:1 - بلغت معدلات الوصول Reach للمشاهدات التلفزيونية العامة في داخل وخارج المنزل خلال النصف الأول من رمضان ما نسبته 95%، أي أن هناك أكثر من 9 أشخاص من بين كل 10 أشخاص في السعودية يشاهدون التلفزيونات.2 - تتداخل هذه المعدلات المرتفعة للمشاهدات التلفزيونية العامة مع وسائل ووسائط ومنصات رقمية أخرى للمشاهدة.3 - تمثل المشاهدات التلفزيونية الخاصة وحدها ما نسبته 34%، مما يتوقع أن تصل المشاهدات التلفزيونية العامة وحدها في 66% بخلاف المشاهدات المتداخلة والمتكررة.4 - بلغت عدد ساعات المشاهدة التلفزيونية العامة في حدود 5 ساعات و33 دقيقة بزيادة مضطردة وفارقة عن معدلات المشاهدة التلفزيونية في غير رمضان.5 - هناك زيادة نسبية في كثافة المشاهدة العمرية لفئة +35 بشكل ملحوظ.6 - يقدر إجمالي الإنفاق الإعلاني في شهر رمضان في حدود 526 مليون دولار أمريكي في السعودية فقط.7 - زيادة الإنفاق الإعلاني لعدد 89 ماركة تجارية بنسبة تصل إلى 32% هذا العام، وبارتفاع نسبي 15% عن العام السابق.8 - لا تزال هناك ساعات ذروة لمشاهدة التلفزيون حول الإفطار تتصاعد تدريجيا قبله وتنخفض تدريجيا فيما بعده.ثانيا: نتائج شركة التصنيف الإعلامية MRC:1 - بصفة عامة معدلات الوصول Reach للمشاهدة التلفزيونية غير المتكررة لهذا العام تكاد تكون متشابهة مع العام الماضي.2 - قدر متوسط معدلات الوصول لهذا العم أقل نسبيا من العام السابق خصوصا في فترة ما بعد الإفطار، سواء بالنسبة للوصول أو لأوقات المشاهدة مع مراعاة فروقات التغيير في المشاهدة أيام الأسبوع وعطلة نهاية الأسبوع.3 - التغييرات في المشاهدة التلفزيونية اليومية تكاد تكون ثابتة نسبيا بمعدل 15 مليون مشاهد تقريبا.4 - المشاهدة الجماعية Co-Viewing للقنوات التلفزيونية العامة تكاد تقل تدريجيا عن العام السابق.5 - المشاهدة الفردية Individual-Viewing تزداد تدريجيا عن العام السابق مع تزايد ملحوظ ومستمر خلال الأشهر الماضية عموما.6 - مشاركات مقاطع الفيديو من القنوات التلفزيونية كمحتوى تظل تمثل النسبة الأكبر بالرغم من التحول الملحوظ من البث العام الى البث الخاص عبر وسائط أخرى.7 - تزايد الإقبال على مشاهدة الرياضة والأخبار على حساب تراجع ملحوظ للدراما والمسلسلات والبرامج والمواد الأخرى.8 - من الواضح تصدر مجموعة قنوات إم بي سي ثم مجموعة قنوات التلفزيون السعودي للمشهد الإعلامي التلفزيوني بشكل عام.9 - يحتوي التقرير على العديد من المعلومات القيمة والمفيدة بشكل دقيق وموثق الكترونيا دقيقة بدقيقة إلا أنه وللأسف الشديد لا يحتوي على كامل القنوات السعودية بشكل تام.ثالثا: ملاحظات ختامية عامة:1 - من الواضح جدا تراجع المشاهدات التلفزيونية المعتادة خصوصا لدى القنوات التلفزيونية العامة عبر البث العام أمام القنوات التلفزيونية الرقمية والمنصات عبر البث الخاص من خلال وسائط أخرى.2 - لا يزال الهدر الإنتاجي غير المرشد اقتصاديا أو مهنيا مستمرا في كثير من الميزانيات الإعلامية والإعلانية على حد سواء، وعلى قلتها نسبيا على مستوى العالم ودون أي مردود أو عائد استثماري ناجح أو ناجع للأسف الشديد.3 - عانت المؤسسات الصحفية عبر 3 عقود من تراجع مستمر آلت إليه أوضاعها حاليا، في حين لا تحتاج المؤسسات الإعلامية خصوصا التلفزيونية منها إلا 3 سنوات فقط للوصول إلى ما وصلت إليه أحوال المؤسسات الصحفية الآن.فمن المأمول - بإذن الله والأمل في الله كبير - أن يعاد علينا جميعا رمضان لأعوام عديدة وأعمار مديدة بكل الخير واليمن والبركة.. ولكن من المؤسف أنه من المؤكد عودة المشاهدات التلفزيونية المعتادة والتقليدية للعام القادم أو على الأقل سيستمر التراجع أو على الأقل الوصول إلى النسب الأقل.. ولا عزاء للتلفزيونات التقليدية وإن كان لا يزال التلفزيون متصدرا المشهد الإعلامي والإعلاني عالميا وإقليميا لسنوات أخرى قادمة.