الرأي

مسلسلات البلطجة ومقالب تحت سطوة المال

عمر العمري
ما زالت الدراما والمسلسلات العربية تقع في مستنقع البلطجة والاستقواء والعنف والسرقة والعنصرية والطبقية والشرف والخيانة ومشاهد التدخين والتعاطي والشراب، وسطوة المال على حساب الاحترام والتواضع والتعامل الطبيعي بين أفراد المجتمع، وإظهار أصحاب الأموال أو الناجحين أنهم ليسوا أبناء بلد وأن فيهم شوفة نفس وتعاملهم مع الآخرين بشكل غير إنساني وطبقي، وهو استمرار لعقدة التكرار ومحاولة النجاح بحجة أن أحد المسلسلات الرمضانية السابقة كانت بنفس هذه العناصر المخجلة وغير الإنسانية وأصبح ظاهرة وله نسب مشاهدات عالية على مستوى الوطن العربي، وهل نسب المشاهدات هو الهدف الوحيد على حساب الأهداف والغايات والقيم المجتمعية وما نريد أن نوصله لهذا الجيل الذي بصدق أحزن عليه في ظل هذا المستوى المنحدر للدراما العربية، أو حتى مستوى الكوميديا التي لا ترتقي إلى إدخال السرور إلى نفوسهم بل وتثير الغثيان بدلا من إضحاكهم، وقد يحتاجون إلى أدوية مضادة للغثيان مع وضع عبارات تحذيرية بعدم مناسبة هذه المشاهد للحوامل.وسؤال الملح هنا متى يتخلص المشاهد العربي من هذا المرض المزعج الذي يأتي كل عام وبفكرة هزلية واحدة يتم تكرارها طيلة الموسم بدون تغير، استخفافا واستهتارا بعقول المشاهد ولا تمت للضحك أو الترفيه بأي صلة وأصبح سامجا غير إنسانيا محركه الأساسي والداعم لاستمراره هذه الأموال التي تقود هذا السباق الرمضاني دون وعي لمخاطر مثل هذه الممارسات المرضية والمعادية للقيم الإنسانية، ويمارس فيها العنف والإهانة والإذلال والألفاظ السوقية تحت مسمى مقالب مضحكة، كيف نضحك على آلام الناس، وهل من الطبيعي أن نضحك على شخص يتألم وهو ملقى على الأرض ويستنجد (وحتى وأن قيل بعد ذلك أنه تمثيل أو جزءا منه كذلك) أو (لكي يمشي الليلة على قولتهم) واستغال هذا الفنان أو الشخصية المعروفة أو الرياضي تحت سطوة المال وحاجتهم المادية (لأنه يدفع كويس، وفق ألسنتهم على استحياء) مقابل استمرار هذا المرض السرطاني المخجل والذي يلوث الأثير للأسف الشديد، والخوف كل الخوف على أبنائنا الصغار وأفكارهم ووجدانهم الفطري مقابل هذا المستوى المنحط من المشاهد، والشيء الغريب ويدعو للحيرة طول هذه السنين في مسيرة هذا البرنامج وهذا الضخ الكبير للأموال لم يخرج بفكرة جديدة تحاكي عنصر الدهشة والاستغراب والحس الكوميدي وكيفية إضحاك العقل البشري واستثمار القدرات العقلية لدى الإنسان الطبيعي وبالتالي انعكاس ذلك على المشاهد، لكن أعتقد أن هذا هو مستوى الفكر المطروح واللوم كل اللوم على هذه القنوات التي تدعم مثل هذه الأمراض التي لا يرجى برؤها، والسؤال: ما المقصد من ذلك؟هل هذه هي الدراما التي يريدها المجتمع؟ وما الهدف منها؟ وما هي الفائدة المرجوة أو الإضافة القيمة لوجودها؟ نتكلم اليوم هنا والجميع يعلم أهمية دور الدراما (المسلسلات ــ الأفلام ــ المشاهد القصيرة.. وغيرها) الثقافي المهم في توعية وترفيه وتسلية وتغذية المجتمع بالتجارب الحياتية الإيجابية أو الرسائل الإرشادية المختلفة وفق حاجات المجتمع، ولكن لا نريد أن تكون وسيلة أو أداة لتقويض منظومة قيم المجتمع وجهوده في بنائها على سنين طويلة، وهي تدخل كل منزل بدون استئذان، لانتشارها على القنوات الفضائية أو منصات المشاهدة الالكترونية، وبالتالي قدرتها على جذب انتباه المشاهدين بعناصر التشويق والإثارة.ونظرا لكثرتها فهي تحظى بنسبة مشاهدة مرتفعة من كل فئات المجتمع، خاصة المراهقين، ومن هنا يكون التأثير واضحا في سلوكهم وقيمهم وأخلاقياتهم واتجاهاتهم، وقد تحتوي بداخلها على بعض القيم والمفاهيم والأفكار التي لا تتلاءم مع مجتمعاتهم، وهذا يعد عدوانا واضحا على منظومة أخلاقيات وقيم المجتمع العربي.وفي بعضها محاكاة وتسويق لعادات وثقافات غربية وغريبة عن مجتمعاتنا العربية، إلى جانب العنف والإثارة والتي تؤثر مشاهدتها على النمو المعرفي والعقلي للمشاهد، وتستطيع الدراما التأثير عن طريق عدد من العمليات العقلية الشعورية واللاشعورية، خاصة على المراهقين في إثارة الجانب الخيالي لديهم، فيعيش الفرد مع خيالاته المستمرة مما يراه على هذه الشاشة الفضية، خصوصا عندما يتخيل المشاهد نفسه في موقف البطل، وقد يحاول حل مشكلاته الخاصة بالطريقة نفسها، وقد غاب عن تفكيره أن السيناريو الدرامي للأحداث معد مسبقا.3OMRAL3MRI@