الرأي

التنمية السعودية ومهددات الأمن الإقليمي

زيد الفضيل
في منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار المنعقد بالعاصمة السعودية الرياض عام 2018م، كشف صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء عن تطلعاته المستقبلية للمملكة العربية السعودية وجوارها الإقليمي، والتي أشار فيها إلى ملامح الاقتصاد القوي للسعودية ومختلف الدول المجاورة خليجيا وعربيا، معلنا عن اعتقاده بأن النهضة القادمة ستكون في إقليم الشرق الأوسط والذي سيكون بمثابة أوروبا الجديدة، وفي مقدمة مصاف دول العالم في السنوات القادمة؛ وفي حديثه أشار إلى بعض ملامح القوة الاقتصادية في عديد من الدول التي ذكرها كنموذج تطبيقي للتنمية حاضرا ومستقبلا، ومن تلك الدول الإمارات العربية المتحدة والبحرين والأردن وغيرها.وحتما فحلم واقعي كهذا، ورجاء منطقي أجاد سمو ولي العهد في توضيح مكامن قوته وسبل تحقيقه، يقتضي أن تنخرط مختلف الدول في حالة من التكامل القائم أيضا على التنافس الإيجابي، وهو ما استهدفته أوروبا الغربية من بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، انطلاقا من رؤية اقتصادية تؤمن بأن النجاح والتفوق عمل جماعي قبل أن يكون فرديا.في هذا السياق أشير إلى أن أي نهضة اقتصادية مرهونة بمدى وحجم الاستقرار السياسي، وهو ما سعت إليه القيادة السعودية وجعلته هدفا استراتيجيا تعمل على تحقيقه من واقع اتباع سياسة تصفير المشاكل، وإرساء مبادئ الأمن والسلام في المنطقة، ليتسنى لها ولدول الإقليم التفرغ للتنمية التي هي عمود ارتكاز مختلف الخطط الاستراتيجية الوطنية لبلوغ رؤية 2030.وتمثل القضية الفلسطينية رأس القضايا التي عملت السعودية على حلها بشكل عادل في مفاوضاتها الجانبية مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن حكومة اليمين المتطرفة في إسرائيل أبت إلا أن تدخل الإقليم بأكمله في حالة من الصراع المسلح، جراء رفضها المستمر للمبادرة العربية للسلام، التي تقضي بحل الدولتين، ثم بردة فعلها المتوحشة وإعلانها حرب إبادة بحق الشعب الفلسطيني في غزة انتقاما من نكستها في أحداث السابع من أكتوبر2023م.واليوم صار المشهد الأمني في الجوار الإقليمي متوترا وعلى كف عفريت جراء رفض إسرائيل وقف حربها الشرسة في غزة، واستمرار حصارها للمدنيين بها، ودون أن تحقق أي نصر حقيقي على أفراد المقاومة المسلحة، أو تحرر الرهائن لديهم، وفي يقيني فإن استمرار نتنياهو في حربه المتوحشة ما هو إلا هروب منه إلى الأمام تأجيلا لسجنه بالقدر الذي يستطيع، أو منع ذلك بإدخال الإقليم والعالم في حرب مستعرة تأكل الأخضر واليابس.على أن بقاء وتيرة الصراع على حالها، بل وتوتيرها في الجوار الإقليمي بشكل أكثر حدة، يخدم أجندات أخرى لا تؤمن بالتكامل القائم على التنافس الإيجابي، وتتصور بأن من مصلحتها أن تبقى متفردة في تقديم خدماتها الاقتصادية واللوجستية، ولذلك تعمل على إثارة الشرر هنا وهناك، وهو ما يفرض على السعودية جهدا إضافيا لإطفاء الشرر من حولها، إذ معظم النار من مستصغر الشرر.في هذا السياق تبرز أهمية اليمن جنوبا، والأردن شمالا، بوصفهما أحد أهم مرتكزات الأمن الإقليمي للمملكة العربية السعودية والمنطقة بوجه خاص، فهما بمثابة الرديف الاستراتيجي الأول للسعودية، وبالتالي فمهم أن نجد صيغة مثلى لتوثيق عرى العلاقات الثنائية بهما، ليس بوصفهما جارتان وحسب، بل بوصفهما جزء لا يتجزأ من الأمن الإقليمي الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية بوجه خاص ودول مجلس التعاون الخليجي بوجه عام.أشير أخيرا إلى محورية موقع الأردن الجغرافي وأهمية ذلك على الصعيد الأمني، لاسيما مع وضوح حالة الانفلات السياسي والأمني في منطقة الهلال الخصيب، وتصاعد عمل المجموعات المسلحة غير المنضبطة بها، مع الإشارة أيضا إلى قدرته الكفوءة في تقديم مختلف الأعمال اللوجستية بمهارة عالية، والتي تحتاجها مشاريع التنمية الكبيرة في ربوع السعودية.كذلك الحال مع اليمن الذي يمثل عمقا استراتيجيا يصعب إغفاله، وبات مهما إعادة النظر في وسائل وسبل التعامل معه بالصورة التي تتوافق مع طبيعة وظروف المرحلة الراهنة، فالسياسة فن التعامل بالممكن، فكيف إذا كان مع عمقنا الاستراتيجي، وبخاصة إذا ما أدركنا أن ما يجمعنا سواء باليمن أو الأردن قواسم كبيرة معمدة بصلة القربى وامتداد الرحم بيننا وبينهم منذ ابتداء التاريخ.