هل نلوم التقنية؟
الثلاثاء / 18 / رجب / 1445 هـ - 23:52 - الثلاثاء 30 يناير 2024 23:52
كانت معظم أمراض الأطفال في الحقبة الزمنية السابقة، وتحديدا ما قبل عصر هيمنة التقنيات، محصورة في أمراض محددة ومعروفة، أما الآن فقد تغير الوضع كثيرا إذ أصبح أطباء الأطفال يرصدون أمراضا مرتبطة بالعالم الرقمي والتي تعتبر مكتسبة نتيجة التعلق الكبير للأطفال بالأجهزة والتقنيات، فقد زادت مشاكل قصر النظر، آلام الكتف والرقبة، آلام أسفل الظهر نتيجة الجلوس الطويل في مكان واحد دون حراك، الحرمان من النوم والسهر الطويل وظهور السواد تحت العينين، الصداع، والسكري النمط الثاني نتيجة السمنة المفرطة، بالإضافة إلى المشاكل الناتجة عن عدم ممارسة الرياضة، بجانب اتباع النمط الغذائي غير الصحي.ويظل السؤال الذي قد يدور في أذهاننا، هل هيمنة التقنيات وثورة التكنولوجيا هما السببان وراء ظهور الأمراض الجديدة في حياة الأطفال واليافعين؟بالتأكيد فإن الجميع سيندفع ويؤكد الإجابة بأن العالم الرقمي وراء هذه الأمراض المستحدثة في حياة الأطفال، وهنا قد نتفق على الإجابة الموحدة بعبارة نعم من المنظور الصحي، ولكن من الناحية الاجتماعية بشكل عام فإن وضع الإجابة سيكون مختلفا، فالحياة ستشهد خلال مراحلها وعصورها التطور والنمو والازدهار ليس في مجال التكنولوجيا فقط بل في جميع المجالات المرتبطة بحياة الإنسان، وحتما الجميع سيواكب هذا التطور ويلازم مراحله؛ لأنه أصبح مرتبطا بعالم التقنية، فمن خلال ضغطة الزر أصبح ينفذ كل مهامه وهنا يكمن الجانب الإيجابي.فالمشكلة ليست في التقنيات أو الأجهزة وإنما في كيفية حسن استخدامها وإدارتها، فجميع التقارير الصحية المرتبطة بالأطفال تشير إلى زيادة ساعات استخدام الأطفال للأجهزة وخصوصا الألعاب الالكترونية التي شهدت في الآونة الأخيرة ثورة كبيرة، إذ زادت صناعة الألعاب الالكترونية وهو ما جعل أمام الأطفال متنفسا في قضاء جل أوقاتهم.ولا شك في أن الألعاب الالكترونية ربطت الأطفال بالعالم الافتراضي الخيالي، وذلك بموجب الخصائص والتقنيات المتوفرة فيها، فتجعله ينشأ على معطيات مأخوذة من الألعاب الإلكترونية بدلا من معطيات مأخوذة من الحياة الاجتماعية واقعية، مما يولد لديه ما يسمى بالعزلة الاجتماعية، لكثرة تعلقه بالعالم الافتراضي وقلة تفاعله مع العالم الواقعي والخارجي، وبهذا فإنه لا يستطيع تعيين حدوده في الواقع؛ أي لا يفرق بين ما هو له وما هو لغيره، وهذا بسبب افتراضية الألعاب الالكترونية التي يسمح فيها بكل شيء، سواء كان إيجابيا أم سلبيا، وتكون نتيجة هذه الممارسة تحوله إلى طفل أناني في سلوكه وطبعه، يميل كل الميل للعزلة الاجتماعية وعدم التواصل مع أفراد العالم الحقيقي، وبذلك يزيد خجله وانعزاله ويفقده علاقاته الاجتماعية.ومن كل ما سبق يجب حماية الأطفال من هذه الأمراض المستحدثة بسبب التقنيات، فوضع ضوابط وساعات للاستخدام أمر مهم جدا في حياة الأطفال سواء الصغار أو اليافعين والمراهقين، فالأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال نصحت بضرورة ألا يزيد استخدام الأطفال للأجهزة الالكترونية للفئة التي تتراوح أعمارها بين 2 و5 سنوات ساعة يوميا، أما الذين تتراوح أعمارهم من 6 إلى 18 سنة ساعتين فقط في اليوم، وللأسف لا أحد يتقيد بهذه المدة؛ لذا من المهم أن يكون دور الوالدين حازما في هذا الأمر.أخيرا.. يجب أن يدرك الجميع بأن التقنيات الحديثة أصبحت الشغل الشاغل في حياة الأبناء، وهي سلاح ذو حدين، والتأثير السلبي يظهر إذا لم يحسن الطفل استخدام الجهاز بطريقة تحافظ على صحته الجسدية والنفسية، فيجب إشراك الأبناء في الألعاب الحركية والنشاطات الاجتماعية، والرياضية التي تنمي مهارات التواصل الاجتماعي، وحثهم على اتباع الأنماط الصحية في كل ما يتعلق بحياتهم وصحتهم كالنوم الصحي وتجنب السهر، تناول الأكل الصحي، ممارسة الرياضة، حتى لا يكونوا ضحايا لهيمنة التقنيات.