الرأي

سر الانجذاب للجماعات والتيارات الهدامة

بشرى فيصل السباعي
أكبر خطأ يقترفه المحللون للظواهر المختلفة هو عدم رؤيتها ضمن الصورة الأكبر لبقية العالم المتصل كقرية واحدة وبهذا يخرجونها عن سياقها الموضوعي؛ ولذا عند دراسة الجماعات الإسلامية الإرهابية يجب وضعها ضمن الصورة الأكبر لبقية الجماعات الإرهابية غير الإسلامية و»الجماعات السرية الهدامة-cult» التي تعزل أتباعها عن العالم الخارجي وتقطع صلتهم بأهاليهم وتدفعهم للانتحار الجماعي أو القيام بأفعال هدامة.هذه الجماعات غالبها يتبع معتقدات مفبركة كجماعات عبادة الأطباق الطائرة الذين تكرر انتحار أتباعها جماعيا أو تتمحور حول دجال ما يزعم أنه مخلص منتظر وواجبه إقامة الملحمة النهائية، وأكبر صدمة نتجت عن الدراسات على أتباعها هي أن غالبهم لديهم تأهيل علمي وعملي أعلى من متوسط الناس العاديين، فمثلا جماعة «هيفن جايتس» الأمريكية التي تعبد الأطباق الطائرة والتي انتحر أتباعها جماعيا كان غالبهم يحملون شهادات بهندسة الحاسبات ويعملون مبرمجين، وجماعة «أوم شينريكيو» اليابانية التي قامت بنشر غاز السارين في محطات المترو كان غالب أتباعها متخصصين بالعلوم البيولوجية والكيمائية وكانت لديهم مختبراتهم الخاصة التي صنعوا فيها أسلحتهم الكيمائية التي كانوا يعدونها لإقامة ملحمة آخر الزمان بها، وحسب دراسة على «القاعدة» فغالب أتباعها هم من حملة شهادة الهندسة، والدراسات النفسية عليهم أثبتت أن سر انجذاب من يحملون تلك المؤهلات العالية للانضمام إلى الجماعات الإرهابية والهدامة هو ذاته سبب انتحار المشاهير والأثرياء وهم بريعان شبابهم، وهو أن الإنسان بعد تحقيقه ما قيل له أنه سيمنحه حس الإشباع والرضا عن النفس والسعادة الدائمة ويكتشف أنها فرحة لحظية سرعان ما يتعود عليها ويفقد الإحساس بها لتطارده الأسئلة الوجودية الكبرى وألم الشعور بالضياع وانعدام وجود معنى وقيمة وغاية جوهرية كبرى لحياته، فيصبح منفتحا لأي أحد يعرض ما يزعم أنه يمنح الناس معنى وغاية وقيمة أكبر لحياتهم، ولافتقارهم لعلم الحكمة والفكر النقدي لا يحسنون تقييم ما يقدم لهم.القوالب التقليدية للتراث الديني منفصلة عن الواقع والعصر وحاجات الناس، باتت لا تمثل خيارا جذابا، ولهذا مواد التنمية الذاتية وحركة الطب البديل والعودة للغذاء والعلاج الطبيعي وحماية الطبيعة والبيئة ونظريات المؤامرة والتيارات اليمينية المتعصبة والغوغائية الشعبوية العنصرية الديماغوجية باتت كلها تتخذ كعقائد بديلة لملء هذا الفراغ الفكري النفسي الروحي العميق للبشرية.لذا ما سينقذ البشرية من كل هذا التخبط والانجذاب للجماعات الإرهابية والهدامة هو نشر علم الحكمة الروحية مصاغا بلغة العصر والعلم والدراسات والأبحاث والفكر والفلسفة والروحانية والأخلاق والسلوك والبصيرة المعمقة في كل مجالات الحياة الخاصة والعامة ليقدم للناس خارطة طريق أو كتالوج ورؤية متكاملة ملهمة، ومنظور جوهري وبوصلة وغاية ومعنى وهدف أكبر وأعمق للحياة والوجود، وهذا سيحصنهم ضد دعوات الجماعات والحركات والتيارات السلبية والدجالين، وأيضا سيمثل وقاية من الأمراض النفسية الناتجة عن الافتقار لمعنى وغاية عميقة للحياة مثل الاكتئاب وما يمكن أن تؤدي إليه من عواقب قد تصل إلى درجة الانتحار أو الإدمان للهروب من إحساس اكتئاب الشعور بالعدمية في الحياة.