الرأي

هل الكراهية حق؟

بشرى فيصل السباعي
غالبية دول العالم سنت قوانين تعاقب على الكراهية وباتت جريمة رسمية فيها، لكن هناك من يرى مثل هذه القوانين خيانة لمثاليات حرية التعبير، لكن الحقيقة أن تلك القوانين لا تعاقب الإنسان على شعوره بالكراهية فهذه حرية شخصية أن يحب من يشاء ويكره من يشاء إنما تعاقب على الخطاب التحريضي الذي منطلقه الكراهية؛ لأنه يؤدي لعواقب مادية على أرض الواقع؛ فكثير من الجرائم الإرهابية وأعمال الشغب والقتل لأبرياء بسبب انتماءاتهم كان سببها الخطاب التحريضي الكاره لفئة ما.أيضا الخطاب الكاره لفئة ما له أثر إساءة معاملة تلك الفئة كما هو الحال مع الخطاب الكاره للنساء/الميسوجينية فهو عبر التاريخ كان المحرض الأساسي ليس فقط على سوء معاملتهن إنما أيضا على القوانين والأنظمة التي تضطهدهن وتظلمهن بشكل مؤسساتي؛ لأن صانع القرار مثل غيره يتأثر بخطاب الثقافة السائدة واللاوعي الجمعي ويتطبع بعصبياته وانحيازاته، وبالمثل الخطاب الكاره للأجانب والأقليات.لذا قوانين العقاب على الكراهية تعاقب على التصريح العلني التحريضي ضد فئة ما وليس على مشاعر الكراهية بحد ذاتها، وكان يفترض أن يكون المسلمون سباقين لسن مثل هذه القوانين التي تتصدى للكراهية مع مثل هذا الحديث النبوي «دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم، أفشوا السلام بينكم». وتحلق الدين أي تزيله بالكلية، لكن للأسف فإن الخطاب الإسلامي المعاصر غرق في خطاب البغضاء والنتيجة كما نراها حروب أهلية وتكفير وإرهاب واضطهاد للفئات المستضعفة كالنساء، والنتيجة العالم كله لديه أسوأ الانطباعات عن الإسلام والمسلمين بسبب تبعات خطاب الكراهية مما صد العالمين عن سبيل الله تعالى واستجلب جرائم الكراهية ضد المسلمين والاضطهاد لهم، ويمكننا تصور ماذا كان سيكون الحال عليه لو كان الخطاب الإسلامي التزم بمضمون الحديث النبوي وتجنب إثارة وتغذية البغضاء ونشر بدلا عنها المحبة، ولا يمكن معالجة البغضاء بمثلها (لا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) ففي القرآن الطريقة المثلى للتخلص من الأعداء ليس بكرههم وحربهم والقيام بعمليات إرهابية ضدهم إنما بالإحسان إليهم الذي يقلبهم إلى أصدقاء وحلفاء، والنجاة بالآخرة مرهونة بسلامة القلب من أمراض القلوب وعلى رأسها البغضاء (إلا من أتى الله بقلب سليم).هناك حكمة تقول «إن من يبغض أحدا ويحسب أنه يضر الآخر ببغضه هو كمن يتناول السم ويحسب أن السم سيقتل من يبغضه»، فالبغضاء تفسد أخلاق وعقلية ونفسية وسجية وشخصية صاحبها وتجعله شخصا بغيضا سلبيا حاقدا، لكن قد يقال هل هذا يعني ألا يبغض الإنسان الأشخاص السيئين؟ والجواب هو أن عليه أن يبغض سوءهم ويريد مساعدتهم على التخلص من السوء بدلا من أن يبغضهم، وبالتالي يرى زوال السوء يكون بالتخلص منهم فيقوم بجريمة إرهابية ضدهم، أو يحرض عليهم فيدفع خطابه التحريضي مختلا ما للقيام بجريمة إرهابية ضدهم.الشعور الشخصي حق للإنسان، لكن التعبير عنه علانية سواء في محفل عام أو عبر المنشورات في الإنترنت ووسائل الإعلام وغيرها يتجاوز الحق الشخصي إلى الحق العام بالحماية من كل ما يمكن أن يسبب الأذى للآخرين، وهناك حد فاصل دقيق بين حق الاختلاف وبين الخلاف والكراهية؛ فالاختلاف الإيجابي يكون بالحجج الموضوعية وينتج عنه التوصل لتفاهم وقناعة مشتركة حول الحقيقة، بينما خطاب الخلاف والكراهية يكون بتوجيه الكلام المسيء والجارح والمشخصن ونتيجته أنه يستخرج الأسوأ من كل الأطراف.