ازدهار «التقنية الحيوية» رغم العوائق الاقتصادية
الأربعاء / 21 / جمادى الآخرة / 1445 هـ - 20:30 - الأربعاء 3 يناير 2024 20:30
نستعرض في مقالة اليوم الديناميكية والقدرة الفائقة لقطاع «التقنية الحيوية» عالميا، والذي أظهر مرارا وتكرارا قدرته الفريدة على مواجهة تحديات الاقتصاد العالمي المتغيرة.سنتحدث عن كيفية نجاح هذا القطاع في الحفاظ على قوته ونموه حتى في أحلك الظروف الاقتصادية.«التقنية الحيوية» مجال علمي يجمع بين علم الأحياء والتقنية الحديثة المتقدمة، مستخدما الكائنات الحية أو أجزاء منها لتطوير أو تصنيع منتجات متنوعة. تتراوح تطبيقات «التقنية الحيوية» من الزراعة المتقدمة وإنتاج الغذاء إلى الطب الحيوي والعلاجات الدوائية، وكذلك في مجالات مثل الطاقة المتجددة والبيئة وغيرها الكثير.تمتد جذور مجال «التقنية الحيوية» إلى التاريخ البشري القديم، حيث استخدم الإنسان العمليات الحيوية لصناعة الغذاء والمشروبات، مثل التخمير في إنتاج الخبز. وفي العصور الوسطى، ومع تطور العلوم المختلفة، بدأ الفهم الأعمق للعمليات الحيوية وتطبيقاتها. والتقدم الحقيقي في التقنية الحيوية بدأ في القرن العشرين، خاصة مع اكتشاف الحمض النووي وفهمه. منذ ذلك الحين، شهدت «التقنية الحيوية» تطورا متسارعا، خاصة مع ظهور الهندسة الوراثية في السبعينيات من القرن الماضي مما أدى إلى اكتشافات هائلة مثل إنتاج الأنسولين البشري المعدل وراثيا والمحاصيل الزراعية المعدلة وراثيا لتحسين الغذاء. وفي العقود الأخيرة، ومع تطور تقنيات علم الجينوم والبيانات الضخمة، أصبحت التقنية الحيوية مجالا أساسيا في الابتكار العلمي والتطوير.يقع قطاع «التقنية الحيوية» في قلب قطاع الرعاية الصحية، كمعقل للابتكار المستدام ويزدهر ويتطور حتى في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية. هذا النمو المتواصل مرتبط ارتباطا وثيقا بالابتكارات المستمرة في هذا المجال.يتجلى الاختبار الأساسي لقوة مجال «التقنية الحيوية» في أوقات الاضطرابات الاقتصادية العالمية. على عكس القطاعات الأخرى التي قد تتأثر بالركود، يبقى قطاع «التقنية الحيوية» بشكل عام مستقرا أو في نمو مطرد. حيث توضح التقارير العالمية على أن النمو القوي الذي حققه هذا القطاع بشكل عام في بداية هذه الألفية سبب في تزايد اهتمام المستثمرين به بعد الاكتشافات الرئيسة ومنها مشروع الجينوم البشري. حتى مع تراجع الأسواق الأخرى، شهدت «التقنية الحيوية» ازدهارا، مع تزايد الاستثمارات عالميا.خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008، تميز أداء مؤشر ناسداك للتقنية الحيوية «NASDAQ Biotechnology Index» بالاستقرار والمرونة بشكل لافت، حيث لم يعان من التقلبات الحادة التي شهدتها مؤشرات رئيسية أخرى مثل مؤشر S&P 500، هذه الظاهرة لم تكن مجرد دليل على الثبات فحسب، بل كانت أيضا مقدمة لمرحلة نمو استثنائية تلت هذه الأزمة.هذه الفترة من النمو اللافت لهذا القطاع تعكس عدة عوامل، أولا، الابتكار المستمر في مجال «التقنية الحيوية» والذي أدى إلى تطوير علاجات جديدة وثورية، مما زاد من جاذبيته للمستثمرين. ثانيا، ازداد الاهتمام العام بالصحة وجودة الحياة، مما عزز الطلب على منتجات وخدمات «التقنية الحيوية» في مجال الرعاية الصحية. وأخيرا، الدعم المالي القوي والتنوع في مصادر التمويل، بما في ذلك الاستثمارات الجريئة والشراكات الاستراتيجية، ساهموا بشكل كبير في تحقيق هذا النمو الملحوظ.علاوة على ذلك، يستفيد هذا القطاع من التغيرات الديموغرافية، مثل زيادة عدد السكان المسنين وارتفاع معدلات الأمراض المزمنة، مما يضمن وجود طلب متزايد ومستمر على منتجات وخدمات «التقنية الحيوية».يتكامل هذا الطلب مع إطار عمل تنظيمي داعم يعزز النمو والاستقرار، مما يسمح للقطاع بالازدهار على المدى الطويل.بالإضافة إلى ذلك، يتأثر القطاع إيجابيا بالاتجاهات الصحية العالمية، مثل الزيادة في الوعي بالأمراض النادرة والتركيز على العلاجات التخصصية.وأيضا، يسهم التكامل بين «التقنية الحيوية» والتقنيات الأخرى الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات، في تسريع وتيرة الابتكارات وتحسين فعاليتها. كل هذه العوامل تجتمع لتشكل أساسا متينا يمكّن لقطاع «التقنية الحيوية» من التكيف مع التحديات وتحقيق النجاح المستمر في عالم متغير باستمرار.لتحقيق الاستفادة القصوى من قطاع «التقنية الحيوية»، تتخذ السعودية خطوات استراتيجية لتعزيز هذا القطاع الحيوي ضمن اقتصادها من خلال التركيز على تنمية البحث والتطوير في هذا المجال، ومن خلال الاستثمار في الموارد البشرية والبنية التحتية وتأسيس مراكز بحثية متخصصة وجامعات تقدم برامج متقدمة في مجالات مختلفة حيث يقوم هذا التركيز بخلق بيئة محفزة للابتكار والتطوير.كما تشجع حكومتنا الرشيدة الشراكات بين القطاع العام والخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية، مما يعزز تدفق الخبرات والتقنيات الجديدة إلى الوطن.وتقوم المملكة بتطوير إطار تنظيمي ملائم يعزز الابتكار في مجال «التقنية الحيوية» ويحمي الملكية الفكرية. هذا يشمل توفير الدعم القانوني والمالي للشركات الناشئة والمبتكرين في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك، تستفيد المملكة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي وعلاقاتها الدولية؛ لتكون مركزا رائدا في هذا المجال في الشرق الأوسط، يمكن أن يؤدي هذا إلى فتح أسواق جديدة وتعزيز التعاون الدولي في مجالات البحث والتطوير والابتكار وتبادل الخبرات.nabilalhakamy@