الرأي

النظر إلى الداخل

فهد عبدالله
عندما أتأمل كثيرا من الحوارات، أو قراءة بعض المقالات، أو عندما تحضر جلسة حوارية أو تستمع لبودكاست ويكون مداره النقد والتصحيح في الأغلب أجد أن معطيات تلك الحوارات تميل في غالب ثناياها في النظر إلى الآخر تصويبا وتقويما وليس في ذلك ضير، ولكن تلفتني تلك النظرة المجهرية التي تجيد رسم تفاصيل كل ما هو في الخارج وفي الطرف الآخر لا يتم استخدام أي نوع من العدسات لما هو في الداخل، وهذا المقال ليس خارجا عن نسق النظر إلى الآخر وأرجو أن أكون أول من يستفيد منه.قليلة تلك المشاهد التي تتحدث عن الذات وكيف أخطأت وتعلمت واكتسبت مفاهيم جديدة أو ذكرت أثر الأحداث الخارجية التي تحدث على النفس وكيف تعلمت منها واستفادت، لا أريد أن أطرح مبالغة هنا ولكن يمكنك الاستماع بشكل عشوائي لبعض الحوارات في البودكاست من خلال بعض المنصات والتي تعتبر رائجة في الوقت الحاضر ويكون محورها السير الذاتية ودوّن في هذه اللقاءات عدد الملاحظات أو المرئيات المتعلقة بالآخر والملاحظات التي كانت تصب في الداخل، ستجد ملمح التركيز على الخارج أكثر من الداخل رغم أنها سير ذاتية ذات طابع داخلي.وهذا الملمح ليس فقط في الجانب الفردي بل أيضا تجده في جانب الأعمال الجماعية من خلال تفسير الأحداث في بيان مساوئ الأطراف الأخرى والانشغال في تفسيرات الأحداث من خلال دوافع الآخرين مع شبه إهمال بالاهتمام في الشأن الداخلي وما يواجهه من تحديات وقصور، وكأن الاهتمام بتفاصيل الخارج أصبح سجية بشرية في أهميته على الانشغال بالداخل وهذه السجية أبرز ملامحها تقديم المفضول على الفاضل والمهم على الأهم.حشد كل الجهود أو أغلبها في تعزيز النظر إلى الخارج ولا يوجد ما يقابلها في الداخل ما يوازي هذه الجهود سيجعل من التصحيح والنمو والتقدم في حالة تباطؤ، لا يمكن أن يكون هناك موجة نمو تصاعدية في الداخل والنفس منشغلة نظرا وعملا بما هو في الخارج، رغم أن التراجم والسير الذاتية الخالدة أثبتت لنا أنه عندما يكثر ضغط زخم الخارج تجد لدى أصحابها ارتداد قوي في تصحيح وتقويم الداخل، وأنه بمجرد وجود أثقال متزايدة في كفة الانشغال بالخارج في الميزان لابد أن يصاحبها في الكفة الأخرى جهود داخلية من أجل الاتزان الذي تستقيم بها الحياة.هذا المنظور يكون جليا وواضحا عندما يحدث خطأ مشترك ستجد هذه السجية البشرية تأخذ مكانها في رغبة تبيان أسباب هذه الأخطاء وأنها بسبب الخارج، وتحاول نسيان أو تجريد النفس من تلك الأسباب المباشرة وغير المباشرة، المشكلة هنا ليست فقط في تعويم أسباب الخطأ ولكن كيف يمكن لهذه العقلية أن تنتقل مرحلة النظر للخارج والاهتمام بتقويم الداخل وهي متشبثة بتركيز عدستها نحو الخارج، والله سبحانه وتعالى أشار إلى هذا الملمح في النظر إلى الداخل بكل مصداقية وتجرد في قوله (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير).أعتقد أن من ينظر للأمور والأحداث الحياتية بشكل متوازن مع ترجيح الاهتمام بالأسباب الداخلية نقدا وتقويما هو الموفق في نهاية المطاف؛ لأنه وبكل بساطة يستفيد من كل الأحداث أيا كانت وما يتعلق بها من المنظور الداخلي في نمو التغذية الراجعة والتقويم الداخلي التي يوما ما ستصل بالفرد أو المجموعة لمرحلة الرشد والحكمة الفريدة.fahdabdullahz@