المحتوى.. كان صرحا من خيال فهوى
الاحد / 18 / جمادى الآخرة / 1445 هـ - 23:22 - الاحد 31 ديسمبر 2023 23:22
ما يميز الإنسان عن باقي المخلوقات، بحثه عن معاني الأشياء، والمعنى يعطي للشيء أو الحدث قيمة، فإما أن تكون قيمته عالية سامية أو رخيصة خسيسة، حسب الفعل والفاعل، والنوايا المعلنة، أو تلك الخفية التي فضحتها السوابق حتى جعلتها سمة غالبة وماركة مسجلة، فلا يختلف عليها اثنان، إلا إن كان أحدهما حسن الظن لدرجة السذاجة، أو تابعا مخلصا لدرجة العبودية الإلكترونية.وكل يدعي وصلا بليلىوليلى لا تقر لهم بذاكإذا اشتبكت دموع في جفونتبين من بكى ممن تباكىهذا هو حال المحتوى الراقي مع صانعيه، ومع من يدعون صناعته وهو منهم براء، فتجد كل عابث أحمق يريد لفت الأنظار إليه ولو بالفضيحة وإهانة الناس، يزعم أنه يصنع محتوى مفيدا، وترى كل تافهة غبية تريد إثارة الجدل ولو بالحرام وخراب البيوت، تنسب لنفسها تقديم محتوى هادف، ويتنافس في ذلك الحمقى والتافهات، منافسة قوية مخيفة، حتى وصلوا للقاع وقاع القاع.لن أقدم أمثلة على ذلك، لأنها تتكرر كل يوم بكل شكل ولون، من افتعال صراعات وهمية أو مقالب كوميدية لا يصدقها سوى الأطفال والجهال، أو تقديم نصائح شرائية لمنتجات رديئة بأضعاف أثمانها، أو تحديد نموذج استهلاكي يريدون من الجميع بغض النظر عن مستواهم الاقتصادي، العيش وفق حدوده وقيوده، وإلا تم نبذهم واستحقارهم، وكأن الخيار إما الاستحمار أو الاحتقار.معاناة متجددة، وصدمات متكررة، وضربات من تحت الحزام، يتلقاها المجتمع، متتالية متوازية على الثوابت الدينية، والقيم الأخلاقية، والمعاني الأسرية، من بعض صانعي المحتوى الكارثي العبثي وما أكثرهم، فيخرج عليك أحيانا بصورة الناصح وهو المحتال، أو المستشار وهو المحتار، أو الخبيرة وهي الأجيرة، أو الضحية وهي الجانية.حتى يتسولوا الإعلانات وأموالها، وإن كانت مغموسة بالخداع والقذارة، فهم يرون في الحياة غابة حيوانات البقاء فيها للأرخص والأخبث.وما تنفع الخيل الكرام ولا القناإذا لم يكن فوق الكرام كراملو كان الأمر سعيا لتحقيق الذات، أو ممارسة الهوايات، أو تطوير المهارات، أو تحقيق النبيل من الغايات، لكان حقا مشروعا، وفعلا محمودا، ولكنه للأسف جدا مختلف، وكأنها جاهلية تسعى إلى عودة، أو أنه بلاء يريد الفتك بالأسوياء.