الرأي

الغرب.. مركزية الأنا ونمطية الآخر

عبدالله العولقي
أصدر الفيلسوف الألماني يورجين هابرماس ومعه مجموعة من مثقفي فرانكفورت بيانا اعتبره الكثيرون جزءا من التناقض الذي يعيشه الغرب مع ذاته، فقد قدم مفكر فرانكفورت خلال تاريخه الطويل (مواليد 1929م) أعمالا فكرية تتضمن فلسفة إنسانية تستند في مضمونها على معايير الأخلاق والقيم التنويرية والمعايير الإنسانية ولكنه في بيانه الأخير خالف كل تلك المعايير باصطفافه مع وهم وخرافة معاداة السامية، بل إنه سقط في فخ التعالي الأوروبي حينما لا يرى الغربي إلا مرآته النرجسية التي لا تريه سوى ذاته المنتفشة وتخفي عنه صورة الآخر، وفي نفس الوقت توهمه بالمركزية العالمية!!بعد انقضاء الحرب العالمية الثانية وخروج الغرب منتصرا بقيادة الولايات المتحدة تم تفصيل معايير وحقوق الإنسان ومواثيق هيئة الأمم المتحدة بناء على الثقافة الأوروبية دون أي مراعاة للتنوع الثقافي البشري العالمي، وقد أسهمت الحرب الباردة بعد ذلك في تقوية أواصر مفهوم الغرب كهوية لثنائية (أوروبا/أمريكا) تحت إطار حلف الناتو، وقد أصر هذا التحالف على تحوير المفاهيم الحضارية بناء على هويته الموروثة وهذا جزء مما يعانيه العالم اليوم تجاه أزمات النظام الدولي الحالي، فقضية جرائم الحرب مثلا، تتحول إعلاميا إلى صدى عالمي إذا تعلق الأمر بالآخر ولكنها تتضاءل إلى درجة الاختفاء إذا تعلق الأمر بالأنا، ويبدو هذا جليا في حرب غزة الحالية!!لم تكن أوروبا موحدة سياسيا أو اقتصاديا ولا حتى ثقافيا في تاريخها، صبغة الهوية الموحدة جاءت متأخرة بعض الشيء، ربما بعد ظهور التهديد العثماني/التركي بالتوسع داخل جغرافيتها، وقد استندت الهوية الأوروبية على أرضية دينية تأسست على تحالف ثنائي المسيحية/اليهودية، هذه الأرضية حاولت الحضارة الغربية بشقيها الأمريكي/الأوروبي أن تخفي معالمها المتشددة لصالح الشعارات الإنسانية أو الرقي الفكري ولكنها أخفقت في كل تلك المحاولات، ولعل حربي أوكرانيا وغزة فيهما من الإشارات الجلية ما يبرهن على ذلك.إذا تحولنا إلى مجال السينما مثلا، نجد أن علماء المصريات القديمة وخبراء الآثار الفرعونية قد استنتجوا من خلال أبحاثهم عن سمات الملكة الفرعونية الشهيرة كليوباترا أنها ذات بشرة شقراء، لكن هوليود عندما أرادت تجسيد هذه الشخصية الفرعونية اختارت ممثلة إسرائيلية مغمورة ذات بشرة سمراء لتأدية هذا الدور التاريخي، ثلاثية استفزاز حضاري لا يمكن أن تكون من باب الصدفة، وذات الأمر عندما تم اختيار الفنان الأمريكي دينزل واشنطن لتأدية دور القائد القرطاجي التونسي الشهير هنيبعل أو هاني بعل كما يحلو لبعض العروبيين تسميته، والذي لاقى هذا الأمر انزعاجا لدى المثقفين العرب المغاربة والتونسيين تحديدا باعتبار أن علماء الأثريات والتاريخ قد توصلوا في أبحاثهم السابقة أن بشرة القائد التاريخي بيضاء وليست داكنة، وهذه الرسالة تقود لفهم الذهنية الغربية تجاه الغير باعتبار أنه يصور تاريخ الآخر كما يراه هو وليس كما يراه الآخرون عن أنفسهم، هذه النزعة التفوقية قديمة ومتأصلة في جذور الذهنية الأوروبية كعرق تحديدا، (نظرية الناقد الفرنسي هايبولت تين)، أيضا وجود الديانة اليهودية وسياقاتها العنصرية ضمن تحالفها مع الحضارة الغربية أسهم أيضا في دعم هذه النزعة التفوقية العنصرية تجاه الآخر.نعود إلى بيان المفكر الألماني هابرماس وزملائه، هل ما زال المثقفون الألمان يعانون من فوبيا تاريخية الهولوكوست؟، وهل لاتزال شخصياتهم مسكونة بهاجس معاداة السامية؟، ففي الآونة الأخيرة تأصلت هذه الظاهرة في نفوس المثقفين الألمان بصورة تستدعي الغرابة!!، ولو كان الثمن أن يقع المثقف في وحل الخطيئة ضمن تناقضية جلية مع نتاجه الفلسفي والفكري.albakry1814@