الرأي

فلسفة المدن بين التنمية والعدالة الاجتماعية

وليد الزامل
سعدت في الأسبوع الماضي بالمشاركة في مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة بعنوان «القيم العابرة للثقافات والتحديات الأخلاقية في العصر التواصلي».يقام المؤتمر بشكل سنوي في مدينة الرياض ويهدف إلى ترسيخ مفاهيم الفلسفة وبناء جسور التعاون بين الجمعيات والمؤسسات ذات العلاقة في مجال الفلسفة من مختلف دول العالم.أقيمت على هامش المؤتمر عدد من المحاضرات والورش والحوارات الفكرية والمناظرات وفعاليات خاصة تعزز الفكر والمعارف الفلسفية لدى الأجيال الناشئة.لقد ناقشت ورقة البحث التي قمت بإعدادها المفاهيم الفلسفية المتباينة للمدينة العادلة في سياق العولمة والتعددية الثقافية ضمن محور العدالة والتشريع في عالم متعدد الثقافات بما فيها الحقوق والأخلاق والآخر.على مدار التاريخ حاول الفلاسفة وضع تصورات حول مدن عادلة يعيش فيها الناس سعداء وتعزز المساواة بين جميع أفراد المجتمع.رأى أفلاطون العدالة بوصفها «فضيلة» نابعة من الإنسان تجعله سويا وصالحا وهي بمثابة الوعي الاجتماعي الذي يجعل المجتمع يعيش بشكل متصالح داخليا.أكد أفلاطون على أن العدالة هي صفة روحية تجعل الإنسان قادرا على ضبط مشاعره وشهواته الفردية مقابل مصلحة المجتمع.بمعنى آخر، قدرة الإنسان على أداء عمله بكفاءة دون التدخل في شؤون الآخرين.وفقا لذلك، قسم أفلاطون المجتمع إلى ثلاثة أقسام هي طبقة الحكماء، وطبقة المنتجين، وطبقة المنفذين.وتعمل كل فئة من فئات المجتمع ضمن إطار مجالها دون التعدي على الفئة الأخرى.أما يوهان غوته فيرى أن القانون أساس لحكم المجتمع، فالمجتمع بلا قانون يعني أن تستمتع القلة بالثروات دون مراعاة حقوق الأغلبية.لذلك، فإن الحكومة العادلة تعمل على تقييد الفردانية وهو ما يخالف وجهة نظر أفلاطون الذي أكد على أن العدالة تعبر عن الطبيعة الإنسانية، وليست قانونا خارجيا يجبر الإنسان على التقيد به.لقد جاءت معظم أفكار الفلاسفة من منطق أن تطوير الهيكل المادي للمدينة سوف يقود إلى بناء مجتمع عادل. وفي المقابل، تظل الجدلية القائمة حول المدينة بوصفها ليست مجرد كيان مادي فحسب؛ بل تأثرت المدن في معظم الأحوال بالعامل الاقتصادي كمحرك يقود التنمية.في القرن التاسع عشر كان هناك عدة محاولات لبناء مدن مثالية للمخططين التكنوقراط؛ ولكنها اتبعت أفكارا تقليدية ومفاهيم راديكالية بنيت على نهج تقسيم الأرض وتوزيع الخدمات وفرض آراء المخططين.هذا النهج لم يعد مقبولا من مختلف الأطياف الأيديولوجية ولا سيما في عصر العولمة والتعددية الثقافية.المدينة اليوم هي بمثابة «مسرح اجتماعي» ونظام معقد غير متجانس.وكما أن التنوع الاجتماعي أمر لا مناص منه لتحقيق التنمية، فالتحدي اليوم ليس في النهج البصري أو المادي للمدن؛ بل في التعامل مع معضلة التنمية والعدالة الاجتماعية.في الحقيقة، المدينة ليست كيانا ماديا ولا يمكن عزلها عن السياق السياسي والتشريعي والاقتصادي.وهكذا، واجهت المدن عبر التاريخ تحديات الحفاظ على الهوية الثقافية والحقوق المجتمعية للفئات المستضعفة نتيجة الميل نحو تغليب الاستثمار العقاري على حساب القيم الثقافية والاجتماعية والبيئية. وعلى الرغم من تطور مسار التخطيط العمراني نحو الفكر الشمولي أو ما يعرف بالتخطيط الشامل؛ إلا أن أفكار التخطيط العمراني لن ترى النور إذا لم يتم صياغتها ضمن إطار يراعي مبدأ المصلحة العامة؛ وعليه فلا بد للمخطط أن يمتلك الأدوات التنفيذية والقدرة على التأثير في صناعة القرار التنموي حتى لا تكون الخطط العمرانية مجرد تقارير ومخططات على الورق.waleed_zm@