الرأي

عصر مصابيح الرغبات السحرية

موسى الحريصي
كثير من الحكايات والقصص والروايات والتجارب والدراسات الإنسانية في عصرنا الحالي مبنية على قيم ومبادئ متعلقة بسلوكيات الإنسان في المجتمع الذي يعيش فيه. لو تمعنا قليلا في معظم الدراسات المتعلقة بعلم الإنسان لوجدنا الإنسان الحديث هو الأكثر تطورا وتعليما وحرية لكنه أكثر تعقيدا في فهم رغباته وأولوياته التي تشكلها الصناعات الحديثة ذات التنوع والتعدد في رغباتها السحرية.أنا هنا لا أدعو للزهد الزائد الذي يحارب التنمية ولا النكوص الذي يصنع إنسانا مزاجيا في شرب قهوته حينما يظن أنها ليست نفس التحميصة ولا في الطعم أو المذاق الذي تعود عليه. بل لا أظنه أمرا جيدا حينما يصبح الفرد أكثر دلالا تستطيع أن تحركه رغبة الكيف في كل مناحي حياته. فلكل صناعة طموح معين لخلق رغبات جديدة تشكلها منتجات الأسواق التي تحاول أن تلفت الانتباه وتطمع في المال الذي في المحفظة.على سبيل المثال هناك مطاعم تعلن وظيفة متذوق للطعام براتب مغر يفوق راتب طبيب ومهندس وأستاذ جامعي بل يتنافس عليها آلاف الخبراء لأجل فهم حساسات التذوق للعملاء. صحيح أنه أمر مغر جدا ومشجع للتطور في مجال الصناعة لكنه مكسب على حساب رقعة الشطرنج المتذبذبة بين الرغبات والقيم. فالإنسان كطبيعته يعتبر مدفوعا لرغباته ولكن لا يجب أن تكون فوق احتياجاته لأجل الدلال الزائد فلكل شيء أعراضه الجانبية والخوف أن يعيش الإنسان أسير رغباته غير واع لقيمه وينسى ما بين يديه من نعم كثيرة حتى فوات الأوان.هناك كتاب أسمه The will to meaning للكاتب فيكتور فرانكل يقول عبارته الشهيرة 'الإنسان تدفعه رغباته لكن تسحبه القيم'. لا أعتقد أن هناك مبررا يستطيع أن يدفعني لأصبح مجرد دمية متراقصة على إيقاعات الأسواق فلكل إنسان الحق أن يعيش حياته كما يشاء وليس كما تريد مصابيح الرغبات السحرية.