الرأي

المعضلة الأساسية والحقيقية لقضية فلسطين

شاهر النهاري
على مدى ما يقارب ثمانية عقود ومنذ احتلال عنصري لأجزاء من أرض فلسطين، مرورا بما حصل بعدها من ترديات للقضية والصوت والحقوق الفلسطينية واستلاب معظم وأهم بقاع أراضيهم، لصالح عدو واحد صهيوني مؤزر بقوة عظمى أمريكية غربية، وكان في ذات الوقت لها العديد من الأصدقاء، العرب والمسلمين، ممن بحماستهم وإخلاصهم الأولي اعتبروها قضيتهم الأولى.السلطة الفلسطينية كافحت عن فلسطين، وعدد من الدول العربية دخلت مرابطة وحروبا، ووقفت من خلفها سائر الدول الإسلامية، وتبنت قضيتها أبواق الإعلام والأحزاب السياسية العربية والمسلمة، غير أن ذلك شكل معضلة القضية الدائمة!فمعظم من تولوا الحرب عنها، وكل من وقف في صفها، ومن تولى الدفاع عنها لم يخلصوا بقضيتها المشاعة، وظلوا يربطونها بطموحاتهم، وأغراضهم، وسياساتهم الداخلية والخارجية، لذلك استمرت القضية ملتهبة متورمة، متعطلة، لعدم وحدة قرارها، وتبدل إخلاص ونقاء أغراض المدافعين عنها.السلطة الفلسطينية لم تكن يوما عقلانية، ولم تسخر قواها لتحرير الأرض المغتصبة، بقدر ما كانت تغرق في الادعاء والمجاملات وتبديل مواقفها السياسية من داعميها، بغرض مطمطة البقاء على كراسي السلطة، وتعظيم رؤوس أموال قياداتها، بقدر استطالة الأزمة.مجموع ما صرفته السعودية ودول الخليج على القضية، كان من الممكن أن يجعل مناطقها المحتلة أكثر تحضرا وتقدما من تل أبيب، ولكن ذلك لم يكن يحدث!دول المواجهة مصر والأردن ولبنان وسوريا تضررت جيوشها وشعوبها، واحتلت أجزاء من أراضيها، لتصبح القضية الفلسطينية بالنسبة لهم، مطلبا ثانيا، يأتي قبله مطالباتهم بتحرير أراضيهم.عنتريات حكام العراق، وليبيا وغيرها، لم تكن ترفع بالصوت، إلا حينما تضيق عليهم الدنيا، معلقين شماعة قضية فلسطين، للتخلص من حرج أزماتهم، وسياسات طيشهم ومواجهاتهم الدبلوماسية والحربية إقليميا وعالميا بتهديد ووعيد.إيران كانت صوت قرع طبول الحرب، لأكثر من نصف قرن، وكم استثمرت في القضية عند كل ضيق يحصرها، فزرعت ما تسميه بالمقاومة، في العراق، ولبنان، واليمن، وسوريا وغزة، ولأغراض مصيرية تخصها، وأطماع توسعية ترجوها، مستغلة حماس قضية فلسطين ومتخذته عذرا، وشعارا، ومطلبا، وبالطبع فلم يكن كل ذلك مطلبها الأول ولا الثاني، أمام أولوية مطامحها وخططها.قضية الأرض الفلسطينية لو أنها وجدت القيادة القوية الصادقة المتحدة، ولو حددت هدفا أولا لها بحفظ أرواح الشعب الفلسطيني، لما كان هذا حال قضيتها المتردية يوما بعد يوم، فتم فصل قيادة غزة عن الضفة، واكتملت مآسيها بقيام الرئيس ترمب بنقل سفارة أمريكا للقدس، وضم الجولان واستكمال صفقة القرن بتهجير أهل غزة وبقية الفلسطينيين من الضفة، مع من يسهل نزعه من عرب الداخل الإسرائيلي، لملاجئ وسط سيناء يحصرون فيها، وبما سيحيق بهم، ليس فقط من إسرائيل، ولكن بمشاركة قوى الظلام العالمي لتفتيتهم وتشريدهم في تيه عظيم.فلسطين قضية كرامة وشرف وعدالة ممتهنه، لا أحد يطالب بها إلا من بعد حاجاته، وطموحاته، وأطماعه الخاصة، ولذلك تستمر القضية بلا صاحب أول، ولا حل ممكن.فلسطين قضية وطنية واضحة، يقتلها التهميش، ويصيبها التخاذل والشتات والانقسام بتكاثر من يطالبون بها، من وراء قلوبهم، ما يعطي في نهاية الفيلم المسخ الكامل لهوية شعب فلسطيني أصيل يغدو بلا وطن، ولا وجود.shaheralnahari@