الصراع في غزة.. قراءة أخرى
الاحد / 19 / جمادى الأولى / 1445 هـ - 21:54 - الاحد 3 ديسمبر 2023 21:54
غالب الذين تناولوا تفسير الصراع في غزة تحدثوا من بوابة الحرب الدينية، باعتبار أن ثنائية (اليهودية/ الإسلام) هما المحرك الأساس للصراع العربي الإسرائيلي، وبالتالي هو صراع ثيوقراطي أيديولوجي بين طرفين.الكيان المحتل يستند إلى أساطير دينية ومقولات كهنوتية وخرافات التميز العرقي، وكل هذا المزيج الذهني قد شكل في ظروف زمنية عميقة في التاريخ حالة من عدم الثقة تجاه الآخر، وثقافة غيبية غير واقعية تحل له القتل والدمار، لإثبات صحة العبارات المحرفة التي يتلوها في التلمود.أما الطرف الآخر، فهو جماعة دينية متطرفة تستند هي الأخرى فكريا إلى تفسيرات بعض النصوص الدينية حسب فهم منظريها الراديكاليين والمخالفة لإجماع العلماء المعتبرين، كما يغيب عن هذه الجماعة الانتماء الوطني بل يغلب عليها التبعية للخارج، وحصر مهمتها في تنفيذ الأجندة التي تملى عليها دون النظر إلى المخاطر المترتبة عليها. وبالتالي، فهذه الصورة الأيديولوجية العقيمة صحيحة إلى حد بعيد، ولعل المتابع للأحداث يرى كيف تهورت حماس في هجومها المفاجئ مع إدراكها العميق لردة الفعل التي تجاوزت مقدار الفعل بأضعاف مضاعفة، وتسببت في كارثة إنسانية أبكت العالم بما فيهم الغرب نفسه!.خلال عقد معرض الكتاب في فرانكفورت الألمانية، قدم الفيلسوف الشهير سلافوي جيجك تفسيرا للصراع في غزة من زاوية أخرى، وذلك تبعا للنظرية المادية الثقافية، والذي يعد أحد أقطابها حول العالم، وهذه النظرية الأنثروبولوجية قد ظهرت في ستينات القرن الماضي على يد العالم مارفن هاريس في كتابه صعود النظرية الأنثروبولوجية، وقد شرح في فصوله عملية تطور وتغير المجتمعات تبعا للحاجة الاقتصادية والتكنولوجيا، وأن هذين العاملين يلعبان الدور الأساس في فهم الصراعات البشرية، وبالتالي هو هنا ينحي عامل الدين تماما!.هنا، نعود تاريخيا إلى هجرة اليهود إلى فلسطين. لماذا أجمع الأوروبيون على هذا الأمر؟ هل المصلحة الاقتصادية تقتضي تفريغ أوروبا من اليهود وتهجيرهم إلى فلسطين؟تاريخيا، هناك عداء زمني عميق بين أوروبا المسيحية واليهود، ولعل الأدبيات الأوروبية في القرون الماضية تعكس مدى ثقافة الكراهية ضد اليهود. فهل كان الأوروبيون مؤيدين للصهيونية - وما زالوا - للتخلص منهم في أوروبا؟.كذلك حماس، هي مرتبطة سياسيا واقتصاديا بأجندة خارجية، وهذا الارتباط يحولها إلى مجرد وظيفة للمنفعة الاقتصادية المحضة. فالقاعدة الدينية تنص أن درء المفاسد والمخاطر مقدم على جلب المصالح، ومع ذلك أقدم قادتها على شن هجوم مفاجئ مع إدراكهم أن العاقبة لن تكون على ساستهم وقادتهم، بقدر ما أنها سترتد على الأبرياء والأطفال والشيوخ الذين لا ناقة لهم ولا جمل، وذنبهم الوحيد أنهم يقطنون في غزة!وكما هو معروف، فالوطنية مغيبة أيضا في الفكر الإخواني، وبالتالي فالمصالح هنا ليست لغزة بقدر ما هي متأسسة لمصلحة الجماعة الاقتصادية، والتي من شروطها تنفيذ الأجندات الخارجية!تحييد العامل الديني لدى الطرفين يفسر متغيرات عدة. فاليهودية ديانة سماوية في جوهرها لا تدعو إلى العنف والقتل، أما الصهيونية في واقعها اليوم تحمل رسالة أسوأ من فكر ثيودور هرتزل.هي اليوم تحالف استراتيجي بين ثنائية التطرف (اليهودي المسيحي)، وعلى الطرف الآخر تحاول حماس أن تلعب دور الشرعية في تمثيل القضية الفلسطينية (طوفان الأقصى). وبالمناسبة، هناك عامل مشترك ثقافيا بين الطرفين، وهو إجادة لغة التباكي، المحتل باتجاه الغرب والجماعة باتجاه العرب والمسلمين.نختم مقالتنا حول قيادة حماس وانكشافيتها في عملية تبادل الأدوار السياسية. فقيادات الداخل في غزة تشكر مجموعة الميليشيات التخريبية في المنطقة، من حزب الله والحوثي والحشد الشعبي، وقيادات الخارج تدعو الدول العربية والإسلامية إلى دفع مليارات الدولارات لإعادة إعمار غزة، وتصليح عبث قيادات الداخل!.albakry1814@