بلوك للخواطر السلبية.. سر تجنب التعاسة
الاحد / 19 / جمادى الأولى / 1445 هـ - 21:42 - الاحد 3 ديسمبر 2023 21:42
روي عن ابن عباس أنه قال: «لولا مخافة الوسواس لدخلت إلى بلاد لا أنيس بها». والوسواس هو اجترار الخواطر السلبية المؤذية بشكل ملح مفرط متكرر لا إرادي مما يسبب المعاناة العقلية والنفسية والسلوكية للإنسان، ويحدث هذا تلقائيا للإنسان عندما تقل المدخلات الجديدة والمشاغل والتفاعلات الاجتماعية؛ ولذا يحصل للأشخاص الذين يقضون أوقاتا مطولة لوحدهم، وقد تتطور إلى أمراض نفسية وعقلية وسلوكية تجعل حياة صاحبها جحيما، ولا توجد عقاقير يمكنها أن تشفيه منها بشكل كامل.شفاء الإنسان من الأفكار الوسواسية القهرية هو بتدريب نفسه على عمل بلوك أو إيقاف الاستطراد في الخواطر السلبية التي تخطر له ويركز على لحظته الراهنة فقط بأن يعيشها بأفضل ما يمكنه؛ لأن تجاوز التفكير في اللحظة الراهنة لمن يعانون من الخواطر السلبية يعني التفكير في حسرات الماضي والقلق بشأن مخاوف المستقبل وهذا يغذي نار جحيم الأفكار الوسواسية، ويحاول إشغال نفسه بأمور تصرفه عن الانتباه لتلك الخواطر السلبية.كون ابن عباس تخوف من الإصابة بالوسواس إن اعتزل الحياة الاجتماعية ينفي صحة التصور السائد النمطي بأنها تصيب الناس نتيجة بعدهم عن الله تعالى وعدم التدين، فعلى العكس تماما هي قد تكون أكثر في تلك فئة المتدينين من غيرهم لأنهم الأقل في النشاطات والتفاعلات الاجتماعية والمتجددة بخاصة النساء، ولذا الأطباء يقولون إن النساء يعانون من الوسواس القهري بشكل أكبر بكثير من الرجال، حيث لازالت كثير من النساء مجبرات على حياة العزلة والحبس في البيوت، ولو كان هذا مراد الله للنساء لما كان هذا النمط من الحياة يؤدي للأمراض العقلية والنفسية والسلوكية.بالطبع عمل بلوك للأفكار السواسية هو علاج مؤقت آني، والعلاج طويل الأمد هو تغيير نمط الحياة وزيادة المشاغل والنشاطات والتفاعلات الاجتماعية والخروج خارج البيت بشكل دوري، والبعض يتحرج من تلك الأمور؛ لأنه يعتبرها من قبيل تضييع الوقت فيما لا جدوى منه، بينما الحقيقة أن جحيم الاضطراب الوسواسي سيضيع عليه أوقاتا أطول وهو في معاناة بدلا من أن يقضي أوقاته في الترويح عن النفس كوقاية من الوسواس الذي متى أنشب مخالبه في عقل إنسان فمن الصعب عليه الخلاص منه؛ لذا الوقاية خير من العلاج.كما أن الإنسان عليه تجنب البيئات التي تشجع وسواسه مثل التي توهمه أنه مصاب بعين وما شابه ويعلق مع المعالجين الشعبيين الذين يغذون وسواسه لضمان زبون دائم لديهم، وأيضا هناك أناس لديهم ميول وسواسية، فالأفضل لمن يشعر أن لديه قابلية للتأثر بهم أن يتجنب صحبتهم، وحتى بعض ما تسمى جماعات الدعم إن لم يكن يترأسها معالج نفسي يرشد تفاعلات الأعضاء فهي قد تصبح وسيلة تعزيز للأفكار الوسواسية، وأيضا عليه تجنب كل أنواع المطالعات التي تغذي وسواسه مثل المصاب بوسواس المرض أو الخوف المرضي من الموت فعليه تجنب القراءة عن أعراض الأمراض، وحتى تجنب مشاهدة مواد الترفيه التي تدور حول الأطباء والمستشفيات، وبالمثل من يعاني من وسواس الوحدة والوحشة فعليه تجنب المواد الدرامية التعيسة التي عن هذا الموضوع.الرياضات الروحية الشرقية كالتأمل يمكن أن تكون مساعدة في العلاج وهي قائمة على مبدأ تعليم الإنسان تقنيات التحكم في مسار أفكاره لغاية إيقاف الأفكار السلبية والعشوائية والاستعاضة عنها بالتأمل بالأمور الإيجابية والبناءة التي في واقع لحظة الإنسان الحاضرة التي يعيشها، وهذا يجعله يعيشها بوعي أكبر وأعمق، وهناك طريقتان للتأمل؛ الأولى: بالجلوس في مكان هادئ وإغماض العينين ومراقبة حركة التنفس ووقف أي أفكار وخواطر تخطر للإنسان في هذه الأثناء. والثانية: ترديد ذكر ديني وأيضا وقف أي أفكار وخواطر تخطر للإنسان في هذه الأثناء، وعموما الإنسان عليه أن يكون طبيب نفسه ويلاحظ كل ما يهيج عليه المشاعر والأفكار والخواطر والأحوال السلبية ويتجنبه ويعمل له بلوك ولا ينساق وراءه.