معرفة

كيف يقرأ المحامي النص القانوني

إن من طبائع البشر حب الذات والميول إلى حاجاتها ومصالحها وهذه الأخيرة في توسع مستمر ولا تكون إلا مع الآخر فإذا تقاطعت المصالح وتعارضت تبتدئ النزاعات.وقد أجمعت الدول على اختلاف اتجاهاتهم الفقهية والسياسية وثقافاتهم الاجتماعية على أهمية سن القوانين، وفرض الشرائع لاستقامة المجتمع وإقرار العدالة ورعاية الحقوق، والمواءمة بين مصالح أفراد المجتمع.والنصوص القانونية قواعد سلوكية تهدف إلى توجيه سلوك الإنسان إلى الالتزام بالفعل أو المنع، ولا يتم الالتزام بها إلا بإخضاع السلوك لمقتضياتها التنظيمية.فهذه النصوص القانونية في مجملها عامة مجردة تنسحب أحكامها على جميع المكلفين الذين يندرجون تحت خطابها دون تخصيص شخص بعينه أو واقعة بذاتها وإنما وضعت للعموم المطلق وذلك حتى تواكب في المستقبل الوقائع المستجدة، كما أن تفسير القانون ضرورة قائمة أمام كل من يتعرض لدراسة النصوص القانونية فقها وقضاء.لاعتبار أن عموم الصياغة في القواعد، وتجريدها عن الأعيان يجعل من الصعب تنزيل مقتضياتها على الوقائع البسيطة أو المركبة، إلا بعد تفسيرها بالفهم الصحيح.وهذه القوانين لا يحسن قراءتها وتفسيرها وتوظيفها على الوجه الصحيح إلا رجل القانون سواء من القضاة أو أعضاء النيابة العامة أو المحامين كل بحسب ملكته الفقهية ومهاراته العقلية؛ فالبعض يفسر النص القانوني وينزله على الواقعة على وجه غير صحيح فيحدث خللا في الحقوق بين المتخاصمين ويكون فيها طرف خاسر وقد يكون الحق معه بسبب تنزيل نص قانوني في غير موضعه في حكم قضائي أو لائحة ادعاء نيابية.مما يعنينا الإشارة إليه في هذا الشأن أنه قد يبدو لبعض الناس أن وجود النص القانوني المنظم لذاك التصرف أو منع تصرف ما كاف في تدبير قضايا المجتمع وحل النزاع بشكل يستوفي أركان العدالة على الرغم من أن النص القانوني محدد الموضوع مرتب الألفاظ مستوفيا لكل شروطه الموضوعية والشكلية إلا أن هناك من يستخدمه في غير موضعه الصحيح دون علم ودراية فيتوسع في تفسيره وتنزيله في غير موضعه على وقائع لم يشملها حكم هذا النص، وعلى ذلك تكون أمام المدعي إشكالية كبيرة في مثل هذه التحديات التي تواجهه في خصومته إذا كان غير ممارس لعلم القانون فإن من باب أولى – إعطاء الخبز خبازه – حتى لا يكون في نهاية الدعوى الطرف الخاسر.والنصيحة للمحامين: فهم قراءة النص وتفسيره وتنزيله بصورة صحيحة على الواقعة محل الدراسة وفهم آلية ربط النصوص في الأنظمة الأخرى المرتبطة بالنص محل التفسير سواء كان النص جنائيا أو إداريا أو مدنيا فكل النصوص ذات الصلة بالنظام محل البحث تسهم في معرفة مقاصد المنظم واستخلاص قرينة تكون لصالح المحامي في دراسته للقضية.وجرت العادة في تشريع القوانين أن المنظم لا يضع كل الأحكام ومتعلقاتها في نظام واحد لهرمية الأنظمة وتفاوتها في القوة القانونية؛ لذا على المحامي الباحث في قضية ما أن ينظر بشمولية إلى النصوص حتى يستطيع الخروج بنتيجة تكون لصالحة أو ما يعرف (بالثغرة القانونية).وحتى يفهم المحامي ترابط الأنظمة مع بعضها البعض فإن هناك عبارات مثل (مع عدم الإخلال بأية عقوبة واردة في نظام..) أو مع مراعاة ما ورد في نظام... هذه الجمل تفيد أن في هذه الأنظمة ترابط؛ ولذا لا بد أن تكون محل البحث والدراسة للقضية وهذه المهارة لا يتقنها إلا المحامي الحاذق!ختاما: ليست أفهام الناس واحدة، فالبعض يفهم من النص شيئا، والآخر يفهم خلافه، فالناس فهومهم مختلفة، وذكاؤهم مختلف والبعض لا يحفظ النصوص وترابطها أو دراستها ويكتفي في قراءة النص قراءة مجردة فيخطئ في تطبيقه.expert_55@