الرأي

التعليم التقليدي في عصر انتشار المعرفة

صالح العنزي
كان جيلنا ومن سبقنا يكتسبون غالب معارفهم المنظمة عن طريق معلمي المدرسة، ويستقون بعض الإضافات العلمية والفكرية والأدبية خلال مكتبة المدرسة وأنشطتها الإذاعية والثقافية والاجتماعية، وكذلك التدريب والندوات المباشرة، وتتبلور هذه المعرفة مع ما لديهم من قيم في مجتمعهم القريب، فتتشكل منه شخصية الطالب الذي إما بعد ذلك أن يكمل دراسته في الجامعات وهي بالسياق نفسه، ولكن بصورة أعظم وإمكانات أكثر ومجتمع أكبر، وبعضهم يلتحق بالوظيفية ثم يبدأ بالاندماج في المجتمع الوظيفي والأسري، وقد تتوقف مسيرته التعليمية بسبب صعوبة الحصول على فرصة التعليم التقليدي.ومع عصر التقنية الحديث ودخول العولمة والإنترنت، دخلت عوامل أخرى أثرت على دور المدرسة ومعلميها، وكذلك الجامعات والمعاهد وأعضاء هيئة التدريس فيها. فلم يعودوا المصدر الأوحد للمعرفة، وتغير مفهوم المدرسة والجامعة ذات النظام التعليمي والتربوي المغلق، إلى مفهوم أعم وأكبر بحيث أصبحت جزءا يؤثر ويتأثر بشكل كبير فيما يحدث في العالم الخارجي، وأضحى التعليم التقليدي ليس الخيار الوحيد، بل ظهرت أنواع متعددة من التعليم الالكتروني المتزامن وغير المتزامن والفردي والجماعي، والتعليم المتكامل وغيرها، وأثرت الأزمات العالمية في مثل أزمة كورونا على تسريع التحول نحو هذه الأنماط من التعليم.ولعل أهم التغيرات التي حدثت في التحول من التعليم التقليدي إلى التعليم الالكتروني، خلال الفترة القريبة الماضية:- لم يعد تعدد مصادر التعليم الالكتروني خيارا بل أصبح ضرورة تسعى الدول والمنظمات لبناء خططها وفق ذلك، تماشيا مع التقدم الكبير في التقنية، وخيارا فاعلا في الأزمات، وبديلا للتعليم التقليدي الذي قد لا يكون متوافرا.- ظهر التعليم المبرمج، الذي يتيح للطالب أو الدارس الخيار في اختيار وقت التعلم ومكانه، ضمن خطة المقررات أو المسارات، بحيث يتنقل من مرحلة إلى أخرى، وفق معايير واختبارات يحددها من يضع خطة التعلم.- برز دور منصات التعلم، مثل منصة مدرستي، وعن طريق برامج التعليم عن بعد مثل Zoom وTeams و Blackboard، وغيرها.- ظهرت شركات ومنصات كبيرة، لمنح شهادات عالمية خلال التعلم عن بعد، وفق خيارات متاحة مثل المركز الوطني للتعليم الإلكتروني Futurex، وشراكاته مع منصات عالمية مثل Coursera وedX، وغيرها.- أصبح التعلم الفردي الحر متاحا لأي فرد، مهما كان عمره ومكانه وإمكاناته بصيغته المجانية أو المدفوعة، مثل منصات يوتيوب ووسائل التواصل، وغيرها.- بدأت المؤتمرات والندوات العلمية، التي كانت حكرا على من يحضر لها مباشرة مما يترتب عليه تكاليف عالية، متاحة لمن أراد الحضور عن بعد والاستفادة مما يطرح فيها.- تخلت الكثير من الأنظمة التعليمية عن نظرتها السابقة للتعليم عن بعد، وأصبح خيارا من خياراتها، وحلا لكثير من مشاكلها، بل أصبح رافدا ماليا لها.- تمت مناقشة كثير من الدراسات العلمية لأبحاث الماجستير والدكتوراه عن بعد، ومنحت الدرجات، والتي لم تكن متوقعة يوما ما.ومما ساعد بشكل كبير في تحول التعليم من وقتي مغلق ومحدد، إلى تعليم مستمر مدى الحياة:- تغير الأنظمة القديمة المتعلقة بتحديد وقت وعمر معين للتعلم، إلى تعلم مستمر مدى الحياة، وفق رغبات الفرد واحتياجاته.- وجود تحول كبير في ثقافة المنظمات، لتقبل فكرة التعليم عن بعد وأثره في التقدم والتطور، الذي يعود على المنظمات ذاتها والمجتمع ككل.- انتشار التقنية على نطاق واسع، وتأثر المجتمعات ببعضها البعض، مما أزال كثيرا من المعتقدات السائدة بأن للتعليم وقتا، وكذلك سهولة التعليم عن بعد في أماكن يصعب فيها توفير التعلم التقليدي المباشر.- ظهور مفهوم المهارات للعمل أكثر من الشهادات الأكاديمية، ورغبة الشركات والمنظمات في استقطاب العاملين الذين يمتلكون مهارات، وأصبحت تلك المهارات متاحة لمن يرغب ضمن التعليم عن بعد ويسهل الحصول عليها.ختاما، يمكن القول، إن النظرة القديمة للتعليم بأنه وقتي ومحدد ومغلق قد انتهت وأصبحت من الماضي، بظهور التعليم الالكتروني عن بعد بخياراته المتعددة، وأن المتعلم بإمكانه أن يحصل على التعليم الذي يريد في أي وقت وأي مكان، وفق احتياجاته ورغباته، مع التأكيد أن دور المدرسة والجامعة تغير في عصر المعرفة، وأصبحت بمكوناتها المتعددة داعمة للتعلم عن بعد، بإطلاق مواقعها الالكترونية وتفعيلها لمنصات التعليم والتواصل، واستفادتها من مصادر التعلم وتطوير مهارات طلابها، وفق أفضل التقنيات التعليمية التي تناسب جيلهم وتطور مجتمعاتهم، والتي تسهم في المستقبل في جعلهم في مستوى أقرانهم بجميع أنحاء العالم، ويبقى للمعلم وعضو هيئة التدريس المتطور، الذي يأخذ بأيدي طلابه ليحصلوا على أفضل تعلم؛ ويكسبهم القيم الفضلى؛ الأثر الكبير في ترسيخ التعلم الحديث.salehsalmanalen@