ربما عليك أن تكلم أحدا..
الاثنين / 6 / جمادى الأولى / 1445 هـ - 22:01 - الاثنين 20 نوفمبر 2023 22:01
عنوان هذه المقالة هو في الأصل عنوان كتاب للدكتورة الأمريكية لوري غولتيب، والتي تخصصها علم نفس، ويدور محور الكتاب حول فكرة الكلام كوسيلة للعلاج.ويعد الكتاب مدخلا قصصيا روائيا جيدا حول الوعي في المعالجة النفسية وعلم النفس السلوكي، وهو في الأصل يعد يوميات طبيبة نفسية تعرض خلالها مجموعة من الحالات النفسية التي عالجتها بالحديث معها خلال إنقاذها من براثن الصمت المؤدي للاكتئاب، حتى إن الكاتبة نفسها لم تنج هي الأخرى.ورغم أنها (الطبيبة) اضطرت أن تذهب إلى طبيب معالج حتى تتخلص من أثر هجران خليلها لها، الأمر الذي قادني للقراءة عن علم النفس السلوكي، سواء الجدلي أو المعرفي، الذي يعالج الناس بالحوار، وهنا يبرز أن الناس بحاجة للحديث، بحاجة ماسة للكلام، وأن مجرد الكلام مع الناس فهو نوع من العلاج، ولعل أفضل الحديث والكلام يكون مع المختصين الذين يعرفون كيف يديرون الحوار لمصلحة المريض.ويعد العلاج المعرفي السلوكي، وكذلك العلاج الجدلي السلوكي، هما من أنواع الحديث مع المريض وحديث المريض نفسه الذي يمكنه من الوصول إلى نقطة الشفاء، خاصة في ظل تعثر الطب النفسي في الوقت الحالي، للحصول على أدوية تعالج الأمراض النفسية، وإنما كل ما هو متوافر هو معالجة أعراض الأمراض النفسية في سبيل التحكم فيها.فالعلاج المعرفي السلوكي هو علاج يتم بالحديث مع المريض، لمحاولة إدراك السلوك السلبي في حياة الإنسان، وخلال الاستبصار بهذه السلوكيات يمكن المريض من التمييز والمعرفة بين الحقائق المفيدة له، وتلك الأشياء التي يكون تصورها ليس سوى وهم أو أمراض، خلال توجيهات الطبيب النفسي أو المعالج إذ تمكنه أدوات الوعي من النجاة والعلاج بعد إدراك المعنى من الحياة والأحداث من حوله، كما يقوم المعالجة بالجدل السلوكي خلال مساعدة المريض أيضا خلال تنظيم ومراقبة عواطفهم وأنماط السلوك التي قد تمرض الإنسان.كل هذا يتم عن طريق «الكلام»، ويمكننا استبصار أثر الكلام في خلق الوعي لدى الإنسان، لدرجة يمكن للكلام أن يشفي الناس من أمراض دون تدخل من الأدوية النفسية ذات الأعراض الجانبية، متى ما استبصر المريض ضرورة أن يتحدث للمعالج أو للآخر بما في خاطره.ولو عممنا هذه الفكرة بشكل أوسع على الأصحاء، أيضا، يمكننا أن ندرك حجم الكلام الذي نتداوله فيما بيننا، وتأثيره على نفسية الإنسان الإيجابية أو السلبية، خاصة إذا أدركنا أن معظم التنمر المؤثر سلبا على الإنسان إنما يحدث بالكلام أيضا، وندرك أيضا أن الحوار هو لغة كلامية بين المتحاورين تخلق الوعي، لذلك تنشأ الأفكار الظلامية والمتطرفة في ظل غياب الحوار والانفتاح والنقاش والتعبير، لأنها تتشكل في دهاليز استغلال العقلية المتقبلة بلا نقاش أو حوار، أو ذات نقاش ضعيف وسط أجواء معرفية هشة.ويمكن الحديث عن أفق الكلام بين الناس، بأشكال متنوعة تبدأ بالأسرة كالأبناء والآباء والزوج والزوجة والمدرسة كالمعلم والطالب والإدارة والشارع كمسرح لقاء الناس فيما بينهم البعض كوسيلة للتعبير، انتهاء بالعمل والمؤسسات الكبرى ليعتبر الكلام وسيلة للتغيير، فحتى المؤسسات والقيادات تتخذ من الكلام مساحة مناسبة لتنفيس وخلق المساحات وخلق الحوار، قبل أن تتحول الأجواء إلى مساحات مشحونة.يمكن الخلوص إلى أن الناس بحاجة للكلام، وهذا الكائن الإنساني لا يليق به الصمت، والصمت لا يعد إلا جزءا من طريقة كسر إنسانيته، سواء عندما يجبر نفسه على الصمت، أو تجبره الأجواء حوله على الصمت، فتنبت الأمراض النفسية في جسده وعقله وتؤثر عليه، والمؤكد أنها تؤثر هي الأخرى على كل وحدات المجتمع!.Halemalbaarrak@