الرأي

الصورة بين غزة وكييف

عبدالله العولقي
جغرافيا غزة صغيرة نسبيا، حوالي 365 كلم مربع، ولكن قاطنيها الفلسطينيين يتجاوزون مليوني نسمة.وحسب التصنيف الديموغرافي الدولي تصنف غزة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، وفي كل مرة تتجدد أزمة اعتداءات الاحتلال على غزة، يظهر إشكال الجدال الفكري حول تاريخ القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي!.من الإشكالات الفكرية المتكررة، مسألة حل الدولتين، وتظل جغرافيا غزة المفصولة حدوديا عن الجزء الفلسطيني الآخر: الضفة الغربية، مسألةً شائكة لا يمكن تجاوزها بسهولة، وإعلان حل الدولتين في الإعلام الغربي أخيرا يعني التهيؤ للسلام في نهاية الحرب، بيد أن المؤشرات الواقعية لا تدل على ذلك إطلاقا.فالمشهد السياسي لدولة الاحتلال تقوده أحزاب وقوى يمينية متطرفة خلال العقدين الماضيين، فلا مكان لأحزاب الوسط أو حتى اليسار، ورؤية هذه القوى تتجه نحو تهجير الأهالي في غزة، وإفراغها من السكان.ورغم استحالة هذه المهمة بجميع المقاييس العقلية، إلا أنها لمصلحة هذه المهمة اُرتكبت أفظع الجرائم الإنسانية والانتهاكات ضد أهالي غزة المتكدسين في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة!خلال الأربعين يوما الماضية، عادت لنا إشكالية فكرية متجددة، وهي مسألة حسم القضية: هل تتم بالسياسة والمفاوضات أم بالسلاح والقوة؟وقد رأينا كيف اشتعلت الساحة الثقافية في وسائل التواصل الاجتماعي بين كثير من المفكرين والكتاب العرب حول هذه القضية، والكل لديه حججه ومبرراته وبراهينه.مناصرو المفاوضات يرون أن ما حققه الفلسطينيون طوال العقود الماضية قد انتزعوه عبر المفاوضات، ولم يحققوا شيئا خلال السلاح، بل خسروا أرضا كانت بأيديهم.بينما مؤيدو القوة يؤكدون أننا أمام كيان لا يعترف إلا بسلطة القوة، ويرفض كل مبادرات السلام، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.الجديد في المناوشات الفكرية، كان حول علاقة حرب غزة بحرب أوكرانيا، فبمجرد اندلاع أزمة كييف توحدت أوروبا بصورة منقطعة النظير تجاه روسيا، ربما لأن الأوروبيين لديهم حساسية تجاه اندلاع الحرب على أرضهم، كون الحربان العالميتان اندلعتا سابقا في أوروبا، إضافة إلى أن الحرب العالمية الثانية تحديدا قد أنهت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وقضت على أحلام باريس التوسعية، وأصبح البلدان مجرد عضوان في الناتو، أي تحت العباءة الأمريكية!، وبالتالي أي مغامرة مباشرة في حرب أوروبية جديدة يعني مزيدا من التراجع في الدور العالمي.ورغم التأييد الأوروبي الرسمي لموقف الكيان الصهيوني وجرائمه في غزة، إلا أننا شهدنا في باريس ومدن أوروبية عدة، قيام مظاهرات تستنكر الجرائم الإنسانية في غزة، فهل تمثل غزة وكييف بداية لأزمات عالمية مختلقة هنا وهناك، لرسم صورة مستقبل العلاقات الدولية؟جغرافيا أوكرانيا تعد ثاني أكبر دولة أوروبيا في المساحة بعد روسيا، مساحة كييف العاصمة وحدها 840 كلم مربع.قبل أيام قليلة، كتب المحلل الأمريكي الشهير توماس فريدمان مقالة تحدث فيها أن حل الأزمة في فلسطين لا بد أن ينتهي بحل الدولتين، حتى يحافظ الغرب على إسرائيل نفسها، وبالتالي سيحسب هذا الإنجاز تعويضا عن الفشل الظاهر في حرب أوكرانيا، وأن على الغرب ألا يشتتوا أنفسهم بالدعم اللامحدود تجاه كييف وتل أبيب، في ظل الأزمات الاقتصادية الحالية.فالمعارك الكلامية تزداد حدتها بين الجمهوريين والديمقراطيين حول جدوى دعم كييف، بينما يتفق الحزبان حول دعم تل أبيب!albakry1814@