الرأي

مناقشة الرسائل العلمية في جامعاتنا السعودية.. وفطائر السبانخ!

سعيد عالي المالكي
المشرف: نرحب بأعضاء اللجنة الدكتور 1 والدكتور 2، نبدأ الآن مع الطالب.الطالب: يقدم ملخصا لرسالة الماجستير في خمس دقائق.المشرف: نبدأ الآن المناقشة مع عضو اللجنة الدكتور 1.الدكتور 1: توجد هناك عدة مشاكل رئيسة في البحث منها في صفحة رقم 55 وهو عدم وضع علامات «تنصيص» للتعريف العلمي المنقول نصا.المشرف: نبدأ الآن مع عضو اللجنة الدكتور 2.الدكتور 2: توجد هناك عدة مشاكل رئيسة في البحث منها في صفحة رقم 55 وهو عدم وضع علامات «تنصيص» للتعريف العلمي المنقول نصا.المشرف: نطلب الآن من الطالب والحضور مغادرة القاعة حتى يتم اتخاذ القرار.الطالب والحضور: يغادرون القاعة ويتم إغلاق الباب.الدكتور 1: قرب الشاهي والفطائر.الدكتور 2: ما فيه فطائر سبانخ؟!المشرف: يفتح الباب ويطلب من الطالب والحضور دخول القاعة مرة أخرى بعد التقليل من آثار الجريمة.المشرف: بعد المناقشة، تقرر اللجنة منح الطالب درجة الماجستير.السيناريو السابق يمثل الطريقة التقليدية/القديمة جدا التي ما زالت تتبع عند مناقشة الرسائل العلمية في (بعض) الأقسام بجامعاتنا السعودية. هذه الطريقة تجعل الطالب يمر بثلاثة مراحل:
  1. مرحلة الهلع: تبدأ هذه المرحلة قبل المناقشة بأشهر ويشعر فيها الطالب بالخوف والهلع كلما قرب موعد المناقشة. هل سأجتاز المناقشة بنجاح أم لا؟ هل سيقف المشرف معي أثناء المناقشة أم سيتركني وحدي؟ ماذا يخبئ لي أعضاء اللجنة من أسئلة؟ ويزداد الخوف والهلع عندما يدخل الطالب قاعة المناقشة ويجدها مصممة على شكل محكمة قضائية!. مكان مخصص للمتهم (الطالب)، ومكان مخصص للقاضي ومساعديه (أعضاء لجنة المناقشة)، ومكان مخصص للجمهور.
  2. مرحلة الهجوم: بعد عمل الطالب لما يقارب سنة دراسية كاملة على جمع البيانات وتحليلها واستخلاص النتائج وكتابة الرسالة ككل، يعطى الطالب ما يقارب الخمسة دقائق فقط لتلخيص ما جاء في الرسالة!. هذا الوقت غير كاف لاستعراض أهم النقاط في الرسالة وغير كاف لفهم محتوى الرسالة من قِبل الجمهور الذي لا يعرف عن الرسالة إلا عنوانها. في هذه المرحلة، يستأثر أعضاء لجنة المناقشة بجل الوقت لعرض ملاحظاتهم على الرسالة مما يجعل الطالب يأخذ دور الملاكم الذي يجب عليه صد جميع اللكمات/الأسئلة الموجهة له من قبل اللجنة. أيضا، الجمهور في القاعة من أساتذة وطلاب دراسات عليا وغيرهم يكاد لا يكون لهم رأي أو مداخلة خلال هذه المرحلة.
  3. مرحلة الترقب: تبدأ هذه المرحلة بخروج الطالب وجميع الحضور من القاعة من أجل أن تتخذ اللجنة القرار المصيري للطالب. تختلط مشاعر الطالب في هذه اللحظة من ترقب، توجس، حيرة، لا مبالاة!. وتنتهي هذه المرحلة بمجرد إعلان النتيجة.
قبل أن أبدأ بذكر الطريقة الأحدث والأفضل لمناقشة الرسائل العلمية (كما أزعم)، يجب أن نعرف الهدف من عملية المناقشة.ليس الهدف من المناقشة «هل سيجتاز الطالب المناقشة أم لا؟» وإنما الهدف هو أن يمر الطالب بتجربة علمية وعملية مفيدة خلال مرحلة الدراسات العليا تساعده في اكتساب عدد من المهارات وتطويرها لاحقا.من وجهة نظري يجب أن نركز على جانبين مهمين إذا أردنا أن نطور من عملية مناقشة الرسائل العلمية في جامعاتنا وهما يتعلقان بالجانب النفسي وطريقة المناقشة.
  1. الجانب النفسي: كما ذكر سابقا، يعيش الطالب مراحل خوف وهلع من قبل المناقشة إلى انتهائها وإعلان النتيجة. السؤال: ما الهدف من جعل الطالب يمر بكل ذلك الضغط النفسي الكبير؟ لا أرى جوابا غير «هذا ما وجدنا عليه آباؤنا وإنا على آثارهم لمقتدون.» للتغلب على جانب الضغط النفسي الذي يمر به الطالب لدرجة ممكن أن يصاب البعض بمرض نفسي، يجب من وجهة نظري أن يعرف الطالب قبل المناقشة بأنه سيجتاز المناقشة العلمية بنجاح!. كيف ولماذا؟! يجب أن يقرأ مشرف الطالب وأعضاء اللجنة الرسالة العلمية بشكلها النهائي قبل المناقشة بحيث يتم تقييمها من قبلهم والتأكد من أن الرسالة لا تحتوي على أخطاء جوهرية قد تؤدي إلى رفضها وعدم اجتياز الطالب. يتم التأكد في هذه المرحلة بأن الرسالة العلمية جاهزة للمناقشة بما لا يقل عن نسبة نجاح 70%. بعد ذلك، يتم تنبيه الطالب على أي أخطاء جوهرية حتى يتم العمل عليها وإصلاحها. بل إنه لا مانع من تكرار هذه العملية مرتين أو ثلاث. بعد ذلك، يقوم المشرف بإخبار الطالب بأن الرسالة الآن تظهر بشكل مناسب وأن الطالب جاهز لمناقشة الرسالة وأنه مؤهل لاجتياز المناقشة بنجاح. هذه الطريقة سوف تساعد في إزالة جزء كبير من الضغط النفسي للطالب، ويعرف الطالب من خلالها أن الهدف من المناقشة ليس «ناجح أم راسب» وإنما المرور بتجربة علمية تساعد في تطوير مهاراته.
  2. طريقة المناقشة: طريقة مناقشة الرسائل لدينا تظهر على شكل محاكمة علنية بدءا بشكل ترتيب القاعة إلى عملية المناقشة وانتهائها. لذلك لدي بعض الاقتراحات بهذا الخصوص:
- ترتيب القاعة: التصميم الحالي لقاعة المناقشة هو كالتالي تقريبا: الطالب يقف على جانب القاعة أمام جهاز الكمبيوتر ومن خلفه شاشة العرض الكبيرة، على يمينه في أعلى منتصف القاعة طاولة كبيرة يجلس بخلفها المشرف وأعضاء لجنة المناقشة، وعلى يساره مقاعد للجمهور.ترتيب القاعة بهذا الشكل أقرب ما يكون لشكل قاعات المحاكم القضائية!الشكل المقترح والذي رأيته في بعض الجامعات الغربية بأن يقف الطالب في أعلى منتصف القاعة وعلى يمينه جهاز الكمبيوتر ومن خلفه شاشة العرض وأمامه مقاعد الجمهور بمن فيهم أعضاء لجنة المناقشة.نعم أعضاء لجنة المناقشة يجلسون مع الجمهور! ترتيب القاعة بهذا الشكل يقلل من الضغط النفسي للطالب، يجعله يشعر بأنه العنصر الأهم في القاعة وليس لجنة المناقشة، ويشعر الجمهور بأنهم جزء من المناقشة ويمكنهم الحديث وإبداء آرائهم.- الوقت: جرت العادة بأن يستأثر أعضاء لجنة المناقشة بجل الوقت، ويبقى وقت قليل للطالب للإجابة على الأسئلة الموجهة له من قبل لجنة المناقشة.أما الجمهور في أغلب الأحيان مجرد مشاهد ومستمع فقط مع أن فيهم من هو أستاذ جامعي ذو خبرة عالية وطلاب دراسات عليا ممكن أن يسهموا في إثراء محتوى النقاش بشكل كبير جدا.لذلك أرى أنه من الواجب أن يستأثر الطالب بقدر كبير من وقت المناقشة في الحديث؛ لأنه هو من عمل لفترة طويلة جدا على إعداد هذه الرسالة.أقترح بأن يعطى الطالب في البداية ما يقارب 30-45 دقيقة يقدم فيها تلخيصا كاملا ووافيا عن موضوع الرسالة.هذا الوقت سوف يساعد جميع من في القاعة وخصوصا الجمهور الذي لا يعرف عن الرسالة شيئا من معرفة الموضوع جيدا، والمراحل التي مر فيها الطالب خلال إعداد البحث.بعد ذلك تبدأ لجنة المناقشة والجمهور معا في توجيه الأسئلة والاستفسارات للطالب.- أسئلة المناقشة: يجب أن يكون الهدف من الأسئلة والاستفسارات الموجهة للطالب هو مجرد استيضاح، وليست أسئلة استجوابية!. من خلال حضوري للعديد من المناقشات في أقسام مختلفة، يبدأ أعضاء لجنة المناقشة، كل عضو على حده، بتوجيه الأسئلة للطالب.العجيب أن معظم هذه الأسئلة لا تتعلق بالنقاط الجوهرية في البحث والمنهج البحثي المستخدم وإنما تتعلق بنقاط ثانوية، مثل عدم وضع علامات تنصيص أو الاستشهاد بدراسة قديمة في البحث.الأفضل أن الأسئلة التي توجه للطالب ترتقي لمستوى أعلى، مثلا، الصعوبات التي واجهها خلال إعداد البحث، المهارات الجديدة التي تعلمها الطالب خلال مروره بهذه التجربة البحثية، مناقشة أفكار رئيسة وآراء علماء في المجال.إضافة إلى ذلك، ضروري أن يعرف أعضاء لجنة المناقشة أن الجمهور هو مصدر مهم من مصادر إثراء النقاش خلال المناقشة ولذلك يجب إتاحة الفرصة للجميع للمناقشة وإبداء وجهات النظر.في النهاية، هذا المقال يهدف فقط إلى التنويه على بعض النقاط المهمة التي تساعد في تطوير عملية مناقشة الرسائل العلمية في جامعاتنا من وجهة نظري، كتبتها وأنا مستمتع بأكل فطائر السبانخ وشرب شاي الكبوس.saeedalmalki4@