سبب ضغط الغرب لتمكين النساء وحقوقهن
الأربعاء / 24 / ربيع الثاني / 1445 هـ - 23:56 - الأربعاء 8 نوفمبر 2023 23:56
من أهم الأسباب التي لا يتم الحديث عنها لمضاعفة اضطهاد الإناث في الدول التي هناك ضغط عليها لتمكينهن من حقوقهن الأساسية هي نظريات المؤامرة المزعومة حول دوافع القوى الكبرى والهيئات الأممية والمؤسسات الدولية للضغط المكثف باتجاه حقوق الإناث وتمكينهن، والتي ترى هذه الضغوط كنوع من المؤامرة على فضيلة الإناث وإرادة نشر الفساد وتخريب المجتمع وتدميره وبالتالي إضعافه أمام القوى الكبرى.بينما الحقيقة هي عكس ذلك تماما وتتضح في أبرز تحليل وتصريح صدر عن أسباب عدوان الحرب الروسية على أوكرانيا وكان لرئيس الوزراء البريطاني «بوريس جونسون» قبيل اجتماع قمة حلف شمال الأطلسي «الناتو» لمناقشة التصدي للمخاطر العسكرية التي تهدد أوروبا، قال «لو كان بوتين امرأة.. فأنا لا أعتقد أنه كان سيشن حربا مجنونة عنترية-macho والغزو والعنف بالطريقة التي فعلها.. إذا كانوا يريدون نموذجا كاملا للذكورية السامة، فإن هذا النموذج موجود أمامنا في شخصه» وقال «إن هذا يبين أهمية تعليم البنات حول العالم ومشاركة المزيد من النساء بمناصب السلطة».وتصريحه هذا يبين سبب ضغط الغرب على دول العالم الغارقة بالحروب والإرهاب لكي تمنح المرأة حقوقا مساوية للرجل وأهمها التعليم والعمل وحق المشاركة بالشأن العام، فالسبب ليس إرادة الشر بالبلد إنما إرادة إنقاذه من جحيم الحروب والإرهاب وتدمير الذات الذي هم غارقون فيه.ولفهم هذا المنظور يجب الإشارة لحقيقة أن الإنسان مكون من طبيعتين مختلفتين؛ طبيعة دنيا لاواعية وتتمثل بنوازع الأنا البدائية الغرائزية وهي المشتركة مع الحيوانات، والطبيعة الثانية هي طبيعة عليا فكرية وجدانية أخلاقية روحية ربانية واعية يتفرد بها الإنسان، وغالب الناس مسيرون بالكامل بالطبيعة الغرائزية البدائية اللاواعية، ولذا لفهم الظواهر البشرية كالإرهاب والحروب وصراعات السلطة واضطهاد الإناث يجب مطالعة برامج سلوك الحيوانات، وأبرز نمط يمكن ملاحظته فيها هو صراعات وحروب ذكور الحيوانات على فرض الهيمنة والسيطرة على الجماعة ومنطقة تواجدها عبر نثر الذكر المهيمن رائحة إفرازاته على حدودها والاستبداد بإناثها وأي ذكر يتعدى على حدوده يقوم الحيوان الذكر المهيمن المتفرد بالسلطة على الجماعة بحرب معه، وبنفس الوقت هذا الذكر يحاول غزو منطقة سيطرة ذكر مهيمن آخر للاستحواذ على جماعته وموارده، بينما إناث الحيوانات لا يخضن أي صراعات على السلطة والسيطرة والهيمنة، وحتى إناث الحيوانات المفترسة كاللبؤة مسالمات تماما لا يقمن بفعل عنيف إلا للصيد لإطعام صغارهن والدفاع عن صغارهن، ولهذا فطريا التنمر والصدام والصراع والحروب والعنف بأنواعه والإرهاب والعدوان هي أنماط غرائزية ذكورية بالإنسان والحيوان، ومخالفة لفطرة الأنثى بالإنسان والحيوان.أثبت التاريخ أن الدول التي لها إرث من الصراعات السياسية والحربية الهدامة عندما دخلت المرأة للشأن العام فيها تحولت إلى دول مسالمة تتمحور حول تأمين الحياة الطيبة والرخاء لمواطنيها؛ لأن طبيعة النساء تتمحور حول تقديم الرعاية والعناية والنمط التعاوني الديمقراطي/الشوري الدبلوماسي بحل المشكلات والخلافات بدل الصدام والصراع والمنافسة والعنف والحرب والإرهاب، وأبرز مثال هو راوندا في أفريقيا التي انتقلت من بلد عانى أبشع الحروب الأهلية وعمليات الإبادة الجماعية تسعينيات القرن الماضي إلى أكثر بلدان أفريقيا نهضة وتطورا ورخاء لأنه بعد الحرب الأهلية نفر الناس من ثقافة عنتريات الذكورية السامة التي كانت وراء دمارهم؛ فانفتح المجتمع على دخول النساء للسياسة كبديل عن رجال السلطة السياسية والدينية الذين حولوا البلد لمسلخ بشري وجحيم، ومن تبنى هذا التوجه هو أول رئيس لراوندا بعد الإبادة، فصارت راوندا الدولة الأولى عالميا بتولي المرأة للمناصب العليا والسياسية والقانونية والقضائية بنسبة تصل لأكثر من 61%، والنتيجة توقف الحروب الأهلية والإبادة والمجاعة وكل الظواهر السلبية التي جعلت الناس وقودا سهلا للتحريض الغوغائي، وصارت الدولة مكرسة لتوفير الحياة الطيبة للشعب، وقبل الحرب لم يكن للمرأة حتى حق التملك لأملاك شخصية، وهو ذات ما حصل لأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.وجود المرأة بالحياة العامة ومشاركتها بالشأن العام في ظل منظومة تتيح لها حرية الرأي والمواقف وإن خالفت السلطات الذكورية الأبوية هو ما يساعد على إحداث التوازن والاعتدال والرشد بالنزعات الذكورية تجاه غريزة الصراع على السلطة والهيمنة، وبدون حضور فاعل للنساء تتطرف الذكورية بالثقافة السائدة وكأي تطرف هو هدام وسام ومضاد للمصلحة العامة.