المدن العادلة بين العلمانية والحفاظ على الهوية
السبت / 20 / ربيع الثاني / 1445 هـ - 21:55 - السبت 4 نوفمبر 2023 21:55
تعد قضية الحقوق الاجتماعية للأقليات من أهم القضايا المرتبطة بالتحضر وخاصة في المدن الكبرى.إن العدالة الاجتماعية في المدن لا تقتضي بالضرورة أن يعيش الفقراء والأغنياء في مكان واحد؛ بل تمكين الفقراء والأقليات من الوصول إلى الموارد، والخدمات، وأنظمة الرعاية الاجتماعية في المدن وخاصة حق السكن، والنقل، والتعليم المتميز، والوظائف، والمشاركة المجتمعية.ويلعب التخطيط العمراني دورا هاما في استيعاب التباين الاجتماعي والاقتصادي ومواءمته مع الموارد المتاحة في المدن.تعمل السياسات العمرانية في المدن على الحد من الشعور بالتهميش الاجتماعي من خلال توفير أنظمة الرعاية الصحية، وتوزيع الوظائف، وإعانات الإسكان، والإعانات الاجتماعية، وتعزيز المشاركة المجتمعية، والحد من انتشار العشوائيات ومناطق الفقراء.إن ارتقاء المدينة في السلم الحضري مرهون بالتنوع الاجتماعي وتعددية الثقافات والهويات والأيديولوجيات وهو أمر لا مناص منه لتحقيق التنمية. وتوصف هذه المدن بكونها مدن عالمية أو مركز الحضارة والتبادل الثقافي.ومع ذلك، يظهر الصراع الطبقي بشكل جلي في المدن الكبرى؛ لأنها مركز النشاط الذي يجمع السكان من مختلف الثقافات.إن التخطيط العمراني للمدن يمكن أن يسهم في التخفيف من مظاهر الصراع الاجتماعي في حال بناء تصور واضح للكيانات الاجتماعية وتطوير السياسات التي تحافظ على الهوية العمرانية وحق الوصول للموارد في المدن.محاولة دمج الأقليات الاجتماعية أو الثقافات العمرانية أو المجموعات الدينية المذهبية ضمن الثقافة السائدة في المجتمع هي فكرة غير صحيحة؛ نظرا لأن هذه الأقليات لها خصائص ثقافية ودينية وعرقية مختلفة.وعلى الرغم من ذلك، تقع بعض الأنظمة العلمانية في إشكالية الجمع ما بين المبادئ الديموقراطية والحفاظ على الهوية الوطنية. إن تطبيق قوانين العلمانية الصارمة للقضاء على مظاهر الدين في المدارس أو الجامعات يؤثر حتما على مبدأ العدالة في المدن.ومن هذا المنطق، فإن توحيد الهوية العمرانية هو بمثابة محاولة صهر التعددية والتنوع الثقافي ويتنافى ذلك مع مبادئ المدن العادلة.النموذج العلماني الفرنسي حاول إدماج المجموعات الاجتماعية والأقليات ضمن إطار الثقافة الفرنسية، وهكذا تمنع ممارسة أي مظاهر للثقافات الدينية أو العرقيات المذهبية وهو في الواقع تناقض صارخ يجمع ما بين الدعوة للحرية من جهة وفرض الثقافة الفرنسية في التعليم من جهة أخرى.وفي المقابل، يؤكد النموذج الأمريكي على مبدأ الحفاظ على ثقافة الكيانات والتعددية الاجتماعية التي تنطوي تحت ثقافة جامعة تستوعب الجميع.إن الاعتراف بالأقليات لا يعني عزلهم في كيانات عمرانية أو توفير الأنشطة والخدمات التي تتناسب مع اقتصاداتهم، بل إشراكهم في مجتمع المدينة وتعزيز ثقافة الانتماء والتسامح بين الأقليات، ومنحهم حقوقهم في إطار قانون الدولة الذي يستوعب الجميع.بعبارة أوضح، فإن الحقوق الاجتماعية للأقليات في المدن تقتضي مشاركتهم دون محاولة صهرهم في ثقافة مهيمنة.وعليه فإن تطوير سياسات عمرانية قادرة على استيعاب الأقليات أمر غاية في الأهمية فالتنوع في أنماط التخطيط، والإسكان، والهوية العمرانية، وبرامج الدعم والرعاية الاجتماعية يمكن أن يسهم في استيعاب هذه الفئات ضمن سياق المدينة.باختصار، من الأهمية بمكان أن تحافظ السياسات العمرانية على ثقافة الأقليات دون محاولة صهرها في إطار الثقافة السائدة ويشمل ذلك بناء تصور لهويات عمرانية أو ثقافات متعددة تنطوي تحت مظلة الثقافة الوطنية.waleed_zm@