الإعلام الجديد وأحداث غزة
السبت / 20 / ربيع الثاني / 1445 هـ - 21:47 - السبت 4 نوفمبر 2023 21:47
تعاني إسرائيل في حربها مع حماس مرارات كثيرة، الأولى حجم الخسائر المهولة والتي تتزايد يوما بعد يوم، والثاني الإعلام الجديد الذي وثق ممارساتها الوحشية وانكسارات جيشها الأخيرة في غزة، هذا الإعلام الجديد كسر الإعلام السابق وأيقظ في الناس مستويات جديدة من الوعي لما يجري في فلسطين وغزة وباقي البلدان المضطهدة حول العالم.بعيدا عن الصراع العسكري في غزة ونتائجه، فإن الإعلام الجديد استطاع أن يعلن نهاية الإعلام القديم في العالم وأن يؤكد للناس أن الصورة المباشرة من قلب الحدث هي من تسيطر على الرأي العام العالمي وتعيد توجيهه وفق حرفية هذا المصور وتوقيته في نقل الخبر.المآسي الإنسانية في غزة وثقتها كاميرات بسيطة ومصورون هواة، باتت تقنياتهم البسيطة تساعدهم على نقل الصورة الصحيحة لما يجري، بعيدا عن مفاهيم الاجتزاء والتأطير التي كانت ومازالت وسائل الإعلام التقليدية تمارسه لتوجيه الرأي العام العالمي.المدنيون في غزة يديرون معركتهم الإعلامية باحترافية عالية، فالتجاوزات الإسرائيلية باتت موثقة ومرصودة لحظة بلحظة، حتى المقاتلين راحوا يوثقون في مشاهد مثيرة بعضا من عملياتهم العسكرية ضد جيش الاحتلال، هذه المشاهد الحقيقية والبسيطة لها أثرها السلبي في وجدان المقاتل الإسرائيلي وعائلته، كون هذا الجندي بات يتحسس الأرض من تحته خوفا من مقاتل فلسطيني يظهر فجأة فيقتله، وبالتأكيد فإن هذه الفوبيا تعود لتلك الأفلام البسيطة التي راجت بين جنود جيش الاحتلال، هذا الجيش الذي لم يستطع فرض واقع جديد على الأرض، وكيف يستطيع ذلك وهو يعلم سلفا أن الارض من تحته مسيطر عليها من خلال شبكات الأنفاق التي أنشئت للأغراض العسكرية الصرفة؟!وبالعودة لوسائل الإعلام الجديدة ومفاهيمها وتصوراتها، ينبغي على الجميع فهم وإدراك الأبعاد الجديدة التي وفرتها هذه الوسائل في تشكيل رؤى الناس ومفاهيمهم، العالم اليوم يستفزه مقطع فيديو لهاو من قلب الحدث، أما محطات الأخبار قد انحازت إلى التحليلات والإسقاطات كبضاعة مستهلكة للبقاء في الساحة حتى حين، في حين أن الإعلام الجديد -في الأزمات تحديدا- بات يشكل الرقم الأهم في تشكيل الوعي الجمعي للناس، وبات رواده نجوما وبأقل التكاليف التي تجعلهم يستطيعون الصمود ضد أي متغيرات تحاول المساس بمكانتهم وإمكاناتهم التي لا تتجاوز كاميرا هاتف محمول ولحظة فارقة ترصد الحدث وتعيد بعثها من جديد في صورة تهز العالم وتستفز مشاعره الإنسانية.الفلسطيني البسيط في غزة أو الضفة هزم الآلة الإعلامية العالمية واستطاع أن يختزل المشهد في لحظات بسيطة، لكنها عميقة بما يكفي لهز عروش تلك الإمبراطوريات الإعلامية التي ما عادت تسطيع منافسة الإعلام الجديد ورواده الذين باتوا يشكلون الرأي ويعيدون رسمه بما يتوافق مع الحدث وإرهاصاته ونتائجه، وهنا يصبح العالم أمام بعث جديد من وسائل التأثير، تعتمد على شجاعة الإنسان وقدرته على اقتناص الحقيقة وبعثها للعالم في ثوان معدودة ليقول لهم هذه هي الحقيقة ولا شيء غيرها.alaseery2@