الرأي

اكتشاف أنقذ ملايين «السكريين»

عبدالمعين عيد الأغا
يظل يوم 14 نوفمبر من كل عام خالدا في ذاكرة الجميع، وخصوصا مرضى السكري النمط الأول الذين يعالجون بالأنسولين، إذ يصادف هذا اليوم ولادة فريدريك بانتينج مكتشف الأنسولين، وبذلك يعتبر هذا اليوم وهو (اليوم العالمي لداء السكري) تكريما له لكونه أسهم مع ثلاثة من زملائه بتحقيق الإنجاز الذي أنقذ الملايين من مرضى السكري بعقار «الأنسولين»، وحصل بموجبه على جائزة نوبل مناصفة مع زميله لعظمة الإنجاز الذي توصلا إليه.وحتى تكون الفكرة أكثر وضوحا حول علاج الأنسولين فإن مرضى السكري النوع الأول يعانون من حالة طبية مزمنة تحدث نتيجة نقص الأنسولين أو عدم وجوده نهائيا؛ وذلك بسبب اضطراب في الجهاز المناعي، فيقوم بمهاجمة خلايا بيتا، وبالتالي يصبح البنكرياس عاجزا عن إنتاج الأنسولين بكميات كافية للجسم، ويكون علاج هذا النوع بأخذ جرعات يومية من الأنسولين على مدى الحياة، وفي حال لم يعالج المرض بالأنسولين فإن المريض يدخل في مضاعفات تهدد حياته.من لطف الله وعنايته بالبشرية وتحديدا هذه الفئة الغالية التي كانت قبل اكتشاف الأنسولين تتعرض إلى مضاعفات خطيرة تصل للوفاة أن يصبح اكتشاف الأنسولين إنقاذا لهؤلاء، إذ بدأت القصة عام 1921م، عندما أجرى البروفيسور فريدريك بانتنج وطالب الطب تشارلز بست بإجراء تجارب على بنكرياس الكلاب في تورنتو، كندا، إذ تمت إزالة البنكرياس مما أدى إلى ظهور أعراض مرض السكري على الكلاب، ثم تم إنتاج مستخلص قابل للحقن عدة مرات في اليوم ما ساعد الكلاب على استعادة صحتها، وبعد ذلك انضم العالم ماكلويد إلى الفريق البحثي ونجح من توفير مستخلص «الأنسولين» من الأبقار، فيما انضم العالم الكيميائي كوليب، إلى الفريق البحثي لتقديم المساعدة في تنقية الأنسولين لاستخدامه في علاج البشر، وبعد أن جربت المجموعة ما يكفي لفهم الجرعات المطلوبة وأفضل طريقة لعلاج نقص السكر في الدم، كان الأنسولين جاهزا للتجربة على المرضى، وفي يناير عام 1922م تم إعطاء الطفل ليونارد طومسون البالغ من العمر 14 عاما مصابا بداء السكري من النوع الأول أول جرعة طبية من الأنسولين، وبعدها نجحت جرعة ثانية منقحة تمت تنقيتها بوساطة كوليب ليعيش ليونارد 13 عاما أخرى قبل أن يستسلم للالتهاب الرئوي.والواقع أن الأنسولين ومنذ ذلك الوقت وإلى الآن قد تطور بشكل سريع ومذهل، ففي عام 1981م تم إنتاج أول سلالة من الأنسولين (البشري) بوساطة تقنية الهندسة الوراثية، بينما في عام 1996، تطورت صناعة عقار الأنسولين إلى إنتاج سلالات جديدة سميت بـ «نظائر الأنسولين» سواء كانت سريعة المفعول (التي تحقن قبل تناول الوجبات) أو طويلة المفعول (التي تحافظ على سكر الدم في المستويات الطبيعية) ما بين الوجبات وخلال فترة النوم.والآن ولله الحمد فإن مرضى السكري من النوع الأول الذين يعتمدون على الأنسولين في علاجهم، استطاعوا التعايش والتحكم كثيرا في مرضهم حتى بات يطلق عليهم «أصدقاء السكري»؛ حيث لعبت الهيمنة التكنولوجية والثورة الرقمية دورا كبيرا في حياتهم؛ من خلال التعامل مع الأجهزة التقنية عالية الدقة؛ وبالتالي أمكن تقليل نسبة المخاطر التي قد يتعرضون لها من ارتفاع أو انخفاض مؤشرات نسبة السكر في الدم؛ حيث يتم التدخل المبكر والعاجل في التعامل معها.وتكنولوجيا داء السكري تم تقسيمها، عالميا، إلى فئتين رئيسيتين وهما: تكنولوجيا مضخة الأنسولين، وتكنولوجيا مجسات المراقبة المستمرة للسكر على مدار الساعة دون الحاجة إلى وخز الإصبع ونزول الدم؛ فقد أسهمت التكنولوجيا الحديثة سواء لمضخات الأنسولين أو للحساسات؛ في إعطاء الأمان والتحكم بداء السكري، وحصول المرضى على التنبيهات المباشرة والفورية في حال اختلال نسبة سكر الدم في الجسم، بالإضافة إلى الحصول على علاج الأنسولين في الوقت المحدد وبالجرعات المطلوبة بكل دقة متناهية.ولا يفوتني قبل أن أختم مقالي أن أنوه أن وحدة الغدد الصماء والسكري - قسم طب الأطفال - بكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة تنظم فعاليات متنوعة (سكري الأطفال) تشمل ورش عمل وعروضا مسرحية ونتائج أفضل سكر تراكمي ومسابقات وجوائز وذلك في فندق الانتركونتيننتال يوم الجمعة 24 نوفمبر 2023 في الخامسة عصرا تزامنا مع اليوم العالمي للسكري، والدعوة مفتوحة لمرضى السكري (الأطفال) لحضور المناسبة.