الرأي

رسالة مفتوحة إلى السفير الأمريكي في الرياض

سعادة السفير رجل الجيش الأستاذ الجامعي الدكتور جوزيف ويستفول سفير الولايات المتحدة الأمريكية في المملكة العربية السعودية تحية طيبة.. بداية لأن الحرب لا أعرفها، ولا أفهم في الدبلوماسية، فاسمح لي أن أخاطبك بالبروفيسور جوزيف، لأنك أستاذ جامعي في الأساس قبل أن تحمل حقائبك إلى الكونجرس ووزارة الجيش، ومن بعدها وزارة الخارجية، ولأن الجامعات أكثر أماكن التسامح والمحبة وبناء الصداقات بين الشعوب، وكذلك لأن من يوجه الرسالة مجرد صحفي وباحث والأهم مواطن سعودي بسيط يعيش في بلادكم العظيمة، الولايات المتحدة، لخمس سنوات ونصف، وكذلك كشريك مؤسس في منظمة تطوعية طلابية، Us to U.S، التي تخدم مسني وفقراء المجتمع الأمريكي وتعتني بالبيئة في 44 ولاية، وتستعد لإطلاق أكبر مهرجان طلابي تطوعي بالشراكة مع أهم المنظمات الإنسانية مثل الصليب الأحمر، Habitat for Humanity، وبنوك الطعام. بروفيسور ويستفول، كنت في السعودية صحفيا وكاتبا، وبفضل برنامج الابتعاث السعودي التاريخي، والدراسة في الولايات المتحدة أصبحت صحفيا وكاتبا وباحثا يحمل درجة الماجستير، والسبب أن هناك معاقل للعلم والمعرفة توفر تعليما عاليا مميزا لكل طموح ذي هدف نبيل، إلا أنني اكتشفت أنهم لم يوفروا العلم والشهادات فقط، بل، أيضا، ثقافة مهمة تعظم العلم والعلماء والأبحاث، وتؤمن بأن التنوع، بكل أشكاله، هو أساس جمال الكون، وسر وجود بلادكم في أعلى القائمة دائما. عزيزي جوزيف (علمني أستاذي في الجامعة أن الطلاب بإمكانهم مناداته باسمه الأول، لأن الألقاب شكليات)، أتذكر جيدا يا جوزيف حواري مع الصديق الدكتور جون دوك أنثوني، رئيس المجلس الوطني للعلاقات العربية الأمريكية، عندما قال «ربما يروق لك هذا أو لا، أن بلادنا هي الأولى عالميا، دفاعيا وتقنيا، وبلادكم الأهم والأقوى في المنطقة والقائدة للعالم الإسلامي، وكلانا يحتاج بعضه البعض»، بحضور الزميل علي الحازمي، رئيس تحرير موقع «سبق» الأخباري، فقلت له «الأهم أن بلادي كانت وما زالت الأكثر صدقية وموثوقية واتزانا وحكمة ووفاء في العلاقة مع بلادكم، وفي الوقت ذاته حليف لم يخذلكم». كل هذا الكلام في الأعلى ثرثرة، كما كان يعلمني أستاذي في مرحلة دراسة اللغة الإنجليزية هنا في أمريكا، لأنني لم أتحدث عن المشكلة مباشرة، لكني وددت أن أضع بين يديكم أرضية لحوار حضاري ربما يخرج عنه حل تاريخي يعالج أزمة سوف يتحدث عنها الكتاب المؤرخون، وربما يسمونها «حقبة إرجاع المبتعثين السعوديين لأي سبب، المهم أن يرجعوا من أجل الانتخابات الأمريكية». وليكون الكلام منطقيا، فإن كل من يدخل بلادكم مستفيد لا محالة، إما بالدراسة أو العلاج أو حتى السياحة، إلا أنكم مستفيدون أيضا، والشاهد على ذلك سجلاتك في عدد التأشيرات التي أصدرت، وبيانات مجلس الأعمال السعودي الأمريكي، وكشوفات حساب الجامعات والكليات والمستشفيات الأمريكية. ودعني أركز على الجامعات التي أخبرتك سابقا أنها التي أفهمها أكثر وأنت من رجالها الكبار وتعرفك أروقة جامعات ولاية أوكلاهوما، نيو سكول وكذلك جامعة ماين خيث. الجامعات الأمريكية كانت تواجه أزمة مالية حقيقية، ومنها ما كانت على وشك الإقفال، ولن أبالغ بالقول إن السعوديين أنقذوها، ولكن كانوا وما زالوا عاملا مهما في الثراء المادي والتنوع البشري، خصوصا في زمن يوجد به 336 ناديا طلابيا تبني حوارا حضاريا بين الشعبين، وقارب ما صرفته الحكومة السعودية على أبنائها كرسوم دراسية للجامعات والمستشفيات ما يقارب 1.7 مليار دولار. هؤلاء الطلاب الذين تخرجوا والآخرون على مقاعد الدراسة نفذوا أرخص وأقوى حملة تسويق للسياحة الأمريكية في التاريخ، فكان خيار عشرات الآلاف من الأسر السعودية، في ظل الحروب وصعوبة الأجواء، أن تكون أمريكا بتنوعها خيارهم، خصوصا بعد تداول الجملة السحرية «أصبحوا في المطارات يعاملون السعوديين دون تمييز». عزيزي جوزيف.. اسأل أصدقاءك أو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي لترى اكتظاظ السعوديين والسعوديات في التايم سكوير بنيويورك، والشارع الثالث في سانتا مونيكا على أطراف لوس أنجلوس، ومدن الألعاب في أورلاندو بفلوريدا ومجمع التايسون في فرجينيا بمنطقة العاصمة واشنطن، نعم اسأل لتعرف إلى أي حد يرون في بلادكم رئة للحياة والفرح وينفقون بلا حساب. أتمنى أن ترى ابتسامة نوادل المطاعم والباعة في المراكز التجارية، لتعرف ماذا يفعل السعوديون في أمريكا، والمحصلة النهائية هي المصلحة للطرفين ولا شيء غير المصلحة. ربما هذه صورة جميلة لكن ليست مبالغة إن قلت لك إنها ستختفي. سيد ويستفول.. أعلم أن مكتبك مليء بشكاوى إلغاء الفيز للطلاب والسياح، وربما المرضى السعوديين أيضا، وأعلم أكثر أن بلادكم مستهدفة للأسف من قوى الشر والإرهابيين، وأفهم بعمق حرص السلطات على سلامة كل شيء فوق كل شبر أمريكي، منهم ما يقارب 75 ألف سعودي وأسرهم. لكن السؤال العقلاني والبديهي: هل كل من ألغيت تأشيراتهم بسبب حقيقي أو خطأ مباشر منهم؟ إن الأزمة المتصاعدة منذ عام أخذت منحى مختلفا خلال الـ60 يوما، وإن كنت لا ترى الصورة كاملة، وربما تراها، لذا أود يا سعادة السفير أن أضعك في المشهد نقلا عن الضحايا: أصبح السعوديون يقفون في المطارات لساعات طويلة، يواجهون بأسئلة غريبة واستفزاز لا محدود، ليس لشبان أقوياء فقط، بل حتى النساء والأطفال. المشكلة ليست عدم احترام للأنظمة من قبل الطلاب، مثل عدم إبلاغ الجامعة بمكان السكن الجديد، أو ممارسة نشاط خارج الجامعة أكثر من الغرض الذي أصدرت من أجله الفيزة، بل تعليق في وسائل التواصل الاجتماعي، أو صورة لأحد أبطالنا في الحدود الجنوبية، وحتى تقرير إخباري عن حريق برج خليفة في دبي. المشكلة الحقيقية يا سيد جوزيف، أن هناك طلابا وأطباء أصبحوا على وشك إنهاء دراستهم ذهبوا لقضاء إجازة الصيف وقتل موظف الحدود أحلامهم بإرجاعهم لأسباب اسمح لي أن أقول لك إنها «تافهة»، نعم تافهة مثل مقطع مضحك لرد فعل شاب من إطلاق نار في زواج سعودي. ولا تعتقد سعادة السفير أنني لا أعرف أن بعض الصور أو المقاطع تعبر عن ميل الإنسان للعنف أو التطرف الديني، وربما بغض الآخر وكرهه، صدقني أعرفهم وهؤلاء لا يستحقون دخول بلادكم وغيرها، ولكن تذكر أن لدينا وزارة داخلية ذات منجزات تاريخية يضرب بها المثل عالميا، وأولها بلادكم، فكان من البديهي التعاون في هذا الجانب قبل أن تقع هذه الكارثة ويحرم مئات الطلاب من تحقيق أحلامهم بعد جهد وتعب سنوات وخسارة حكومة بلادهم مبالغ طائلة. أتمنى يا سعادة السفير، ألا يصبح أخواتي وإخواني المبتعثون السعوديون كبش فداء لصراع الجولة الأخيرة من الانتخابات الأمريكية، وهل الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض تحكم قبضتها على المنافذ الآن أم لا، لتكبح جماح تصريحات المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب، أو حتى الخوف من كل شرق أوسطي، بعد أحداث أورلاندو؟ وللأسف أن هذا ما تريده قوى الشر والإرهاب، أن يكون الذعر هو المحرك لا العقلانية والحكمة في التعامل مع الأمور. فيقتل حلم إنسان بريء ويعود الموظف ليلا ليجتمع مع أصدقائه ويفخر بعدد الطلاب الذين أرجعهم ويثمل ويضحك ليقول:Yes, guys, I kicked them out. سيد ويستفول، اسمح لي أن أقول إن بلادكم لا تتعلم من دروس الماضي، حمى استهداف المسلمين والشرق أوسطيين عقب أحداث الـ١١ سبتمبر الإجرامية البغيضة. نعم ندم الأمريكيون على حملة الكراهية التي اجتاحت بلادكم غضبا مما حدث في نيويورك حكومة وشعبا، لأن العاطفة قتلت العقلانية والحكمة في ذلك الوقت. واليوم المشهد يتكرر بذات الكراهية والسيناريو، حتى وإن لم يكن للسعوديين فيها ناقة أو جمل. سعادة السفير، دعني أكن مساهما في الحل لا مشرحا لجسد المشكلة فقط، فأقترح عليك ببساطة أن يحصر المتضررون من العام الماضي وحتى اليوم في قوائم ويشكل فريق مع وزارة الداخلية السعودية ووزارة التعليم، للتعامل مع الحالات وتقييمها والاستقصاء، كل شخص على حدة، فكم طالب كان ضحية لموظف المكتب الدولي الكسول في الجامعة، الذي لم يحدث بياناته مع سلطات الهجرة، وشخصيا تعرضت لذلك لو لا حرصي وإصراري وزيارة المكتب الدولي عندما كنت طالبا. وكذلك لا مانع أن تنظم وزارة التعليم دورات عن المخالفات الشائعة بالتعاون مع سفارتكم ويفهم كل مخطئ سبب إلغاء فيزته، خصوصا في الوقت الذي تجتاح السعودية حمى استخدام برنامج المراسلات WhatsApp، الذي يتداول السعوديون فيها كل شيء ببساطة وعفوية قد يفسر البعض ما تحويه على أنه ميل للعنف. وعقب ذلك تعدل أوضاعهم ويعودون إلى الولايات المتحدة بسلام وفهم. بروفيسور ويستفول، أخيرا أريد أن أوجه لك رسالتين: الأولى أن صور جنودنا البواسل ومقاطع استبسالهم على الحدود الجنوبية ليس ميلا للإرهاب وجريمة تلغى تأشيرة طالب من أجلها. فهل صور جنود بلادكم بالأسلحة في أفغانستان جريمة؟ الرسالة الثانية: بين 2005 و2016 ولد مئات الأطفال السعوديين الأمريكيين خلال دراسة آبائهم وأمهاتهم، هؤلاء الأطفال شربوا من كأس قيم الشعب الأمريكي النبيلة، وهم ما زالوا نبتات غضة في بستان الدنيا، فلا تدع أيا منهم يسأل أمه أو أباه: لماذا ألغيت فيزتك ورجعت قبل التخرج بأشهر بسيطة فيقول له، لا أعرف، رفضوا إبلاغي أو حتى بسبب مقطع حريق في دبي أو صورة جندي سعودي يقبل العلم السعودي، بينما موظف الحدود لا يفرق بين العلم السعودي وأعلام الإرهابيين، لم يكن ذنبي يا ولدي أن هناك من يستخدم سلطته ليحرم الإنسان حلم حياته وجهد وتعب سنوات لمجرد الظن، ولأنه لا يعرف الجغرافيا والتاريخ. أزمة إلغاء التأشيرات الأمريكية وسوء المعاملة للطلاب والسياح السعوديين الأسباب 1 حمى المخاوف الأمنية بعد أحداث أورلاندو وتهديدات التنظيمات الإرهابية. 2 صراع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري قبل الجولة الأخيرة من الانتخابات الأمريكية لإثبات إغلاق الحدود وإحكام القبضة عليها من قبل الديمقراطيين. 3 الدعاية الانتخابية وحرص الديمقراطيين على إعلان رقم كبير للذين أرجعوهم لحماية أمريكا. 4 استهتار بعض الطلاب وعدم تحديث بياناتهم ومقر السكن مع المكتب الدولي في الجامعة. 5 تنفيذ نشاطات خارج الجامعة أكثر من الغرض الذي يتواجد من أجله الطالب في أمريكا. 6 الاحتفاظ بمقاطع موسيقية وأفلام لا يملكون حقوقها. 7 الاحتفاظ بصور للحروب والجثث والعنف بكل أشكاله أو غير الأخلاقية. 8 مزاجية وعنجهية موظفي الحدود الأمريكية. أبرز المتضررين 1 طلاب وأطباء على وشك التخرج. 2 مبتعثون ومبتعثات قطعوا أشواطا متقدمة في الدراسة. 3 مرضى ومرافقوهم يحتاجون العلاج في المستشفيات الأمريكية. 4 سياح دفعوا آلاف الدولارات مسبقا في التذاكر، السكن والتنقلات. الحلول
  • تنسيق بين وزارتي الخارجية السعودية والأمريكية ووزارة التعليم لحصر المتضررين.
  • وضع لجان موقتة في مكاتب السفارة الأمريكية والقنصليات في جدة والظهران لاستقبال المتضررين ودراسة كل حالة.
  • مراجعة الجامعات الأمريكية والتأكد
  • منح الطلاب إقامة موقتة حتى يتم التأكد من أن الإجراء خطأ أو يمنح فترة قصيرة لإنهاء الدرجة العلمية.
  • مراجعة البيانات والتأكد من عدم تشابه الأسماء مما يضلل موظفي الحدود.
  • التأكد من الجهات التي تطالب السعوديين بمبالغ مالية، وهي ليست على حق كنوع من الاستغلال، بينما يطالب من عليه حقوق بدفعها.
Hadi_Alfakeeh@